يولي اللبنانيون ثقة كبيرة لخبير السير، يعتقدون أن له الكلمة الفصل في تحديد المسؤوليات عند وقوع حوادث السير. من هم الخبراء العاملون في لبنان؟ ما هي صلاحياتهم؟ كيف يعملون؟ كيف تتجدد عقودهم؟ ومن الأسئلة التي يطرحها التحقيق: متى يُقر مشروع تنظيم مهنة خبراء السير الذي يفعّل السلامة المرورية؟
لينا بحسون
كانت سهى نائمة في منزلها، عندما أيقظها صوت اصطدام قوي في الشارع، خرجت إلى الشرفة وإذ بسيارة رباعية الدفع قد اجتاحت سيارتها المركونة إلى جانب الطريق. استدعت سهى خبير سير إلى مكان الحادث، حرر تقريراً، ثم طمأنها إلى أن لا مسؤولية عليها، وطلب منها مراجعة شركة التأمين خلال أسبوع لتحصل على تعويض عن كامل الأضرار.
مضت سبعة أشهر قبل أن تتقاضى سهى جزءاً من التعويضات. فقد تذرعت شركة التأمين، التي تعاقد معها مسبب الحادث، بمعلومات مبهمة وغير دقيقة وردت في تقرير الخبير، من أجل المماطلة بدفع التعويضات. لم يتبين لسهى ما إذا كان الخبير قد ارتكب خطأً مادياً عن غير قصد، عند تحرير التقرير، أم أنه تعمد عدم الدقة في شرح تفاصيل الحادث من أجل إعفاء شركة التأمين من دفع التكاليف، وذلك «لوجود مصالح مشتركة بينهما». لكنها اكتفت بما استحصلت عليه من تعويض، معتبرة أن «الموضوع لم يعد محرز»، فاللجوء إلى القضاء قد يكون مكلفاً مادياً وإجراءات المحاكمة قد تطول حتى يصدر أي قرار.
يرتكب بعض الخبراء أخطاءً وقد تحصل بعض التجاوزات في وضع التقارير، لكن غالباً ما يحرر خبراء السير تقاريرهم بدقة ووضوح، ويفرض عليهم القانون أن ينفذوا مهماتهم «بصدق وأمانة وتجرد»، وخصوصاً أن حوادث السير تتكرر يومياً على الطرق اللبنانية، وتنتج من بعضها إصابات خطيرة أو حتى مميتة، فقد أشارت إحصاءات صادرة عن جهات مختصة إلى وقوع ما يقارب 1178 حادثاً منذ بداية 2009، بلغت حصيلتها حتى شهر حزيران الماضي حوالى 194 قتيلاً و1860 جريحاً. والنسب إلى ارتفاع مقارنة مع السنوات السابقة، إذ سجل حوالى 2300 حادث عام 2007 و2900 حادث عام 2008. من يحقق في هذه الحوادث؟ ومن ينقل للقاضي أو لشركة التأمين خلفيات الحادث وظروفه؟ هل يملك جميع خبراء السير الخبرة والكفاءة اللتين تجعلهما قادرين على نقل حقيقة ما جرى يوم وقوع الحادث؟ وهل ينفذ جميع الخبراء مهمتهم بصدق وتجرد؟
عرّف المرسوم الاشتراعي الرقم 65/83 الخبير على أنه «شخص طبيعي أو معنوي، من أصحاب الفن والاختصاص، يكلف القيام بأعمال الخبرة وفق القواعد والإجراءات المحددة في قانون أصول المحاكمات المدنية». ويختار الخبير من بين الخبراء المعينين في جدول خاص، يضعه مجلس القضاء الأعلى ويصدق عليه وزير العدل ويعمل به لمدة خمس سنوات. أما عن شروط الانتساب إلى الجدول فتحددها وزارة العدل وفقاً لمعايير معينة، أبرزها «إفادة تثبت قيد طالب الانتساب في جدول الخبراء منذ عشر سنوات على الأقل، أو ممارسته الأعمال في الفرع المطلوب خمس عشرة سنة، وذلك بموجب مستند صادر عن مرجع رسمي أو مؤسسة أو شركة مسجلة في أمانة السجل التجاري». لا تفرض الوزارة ضمن شروط الانتساب، الاستحصال على شهادة علمية، مع العلم أن نقابة خبراء السير طالبت مراراً بإدراج هذا الشرط، إلا أن وزارة العدل اعتمدت أخيراً شرطاً آخر للانتساب إلى الجدول، يقضي بانتساب الخبير إلى النقابة، وقد شددت الوزارة على هذا الشرط بالتنسيق مع النقابة، من أجل المحافظة على مستوى معين من الكفاءة والمناقبية لدى طالبي الانتساب إلى الجدول.
في مراجعة لصلاحيات الخبير الواردة في قانون أصول المحاكمات المدنية، يتبين أن مهمته تقتصر على جمع المعطيات الفنية دون التطرق إلى تحديد المسؤوليات، إذ يعود للمحكمة التي عينت الخبير أن تقرر توسيع المهمة التي كلفته القيام بها أو تضييقها. وبالتالي فإن الخبير يبقى خاضعاً لسلطتها. وتجدر الإشارة إلى أن القانون يحدد صلاحيات الخبراء كافة لا خبراء السير بالتحديد.
تعيّن المحكمة خبيراً لإجراء معاينة، أو لتقديم استشارة فنية، أو للقيام بتحقيق فني بشأن مسألة تتطلب معارف فنية، وعليه إبداء رأيه في الأمور التي عهد إليه بالتحقيق فيها، وعدم التعرض لغيرها من الإمور إلا إذا اتفق الخصوم كتابة على ذلك، وبالتالي لا يجوز للخبير إبداء تقدير ذي طابع قانوني.
يتضمن تقرير الخبير رأيه في جميع المعلومات التي من شأنها أن تنير المحكمة في الأمور المطلوب التحقيق فيها. ويُمنع من كشف المعلومات الأخرى التي يكون قد اطلع عليها أثناء تنفيذ مهمته.
رأي الخبير والمعلومات الواردة في التقرير لا تقيّدان المحكمة، إلا أنه إذا تبين لها أن التقرير ناقص أو غير واضح فلها أن تدعوه لتستوضحه أو تلجأ إلى خبير آخر. إذا لم تأخذ المحكمة بالتقرير، كلياً أو جزئياً، بسبب نقص أو خلل في الصيغة أو في المضمون، تفرض على الخبير أن يرد ما قبضه من أجر وتبلغ الأمر إلى مجلس القضاء الأعلى. وإذا تبين لها أن التقرير يشتمل على أخطاء جسيمة، تحيل نسخة عنه إلى مجلس القضاء الأعلى لضمها إلى ملف الخبير ولإصدار عقوبات تأديبية بحقه.
يبلغ عدد خبراء السير الحاليين ما بين 1175 و1300 خبير (أرقام غير رسمية صادرة عن نقابة خبراء السير)، يتوزعون على المحافظات الخمس، ولا يخضعون لقانون ينظم مهنتهم ، وفي حديث لـ«الأخبار»، أشار نقيب خبراء السير نجيب شوفاني إلى أن رئيس مجلس الوزراء الأسبق سليم الحص، أصدر عام 2000، قراراً قضى بتأليف لجنة لوضع مشروع قانون لتنظيم مهنة خبراء السير، وبالفعل وضعت اللجنة قانوناً ينظم المهنة وعلاقة الخبير بالسلطة القضائية من جهة، والمواطن من جهة أخرى، كما حدد القانون دور الخبير وكيفية تعيينه. من أبرز ما شدد عليه هذا القانون، هو عدم الجمع بين مهنة الخبير ووظيفة في شركة تأمين، وذلك بهدف المحافظة على الموضوعية والحياد في تقارير الخبراء، كما أوجب القانون على الخبير أن يكون حائزاً شهادة بروفيه، ويملك من الخبرة ما لا يقل عن ثماني السنوات.
بقي مشروع القانون في أدراج الحكومات المتعاقبة منذ 2000 وحتى يومنا هذا، ولم يطالب أحد بإقراره. وقد علمت «الأخبار» من مصدر مسؤول أن خلافات حصلت آنذاك، بين الحكومة ونقابة الخبراء على خلفية إعطاء النقابة صلاحيات إضافية، الأمر الذي رفضته الحكومة وقتها.
أكد مسؤول رفيع المستوى في وزارة العدل، أن الوزارة من أول المرحبين بإقرار المشروع، وخصوصاً أنه قد يساعد مجلس القضاء الأعلى على تجديد جدول الخبراء الحالي، عبر اختيار خبراء سير يخضعون لتنظيم مهنة محدد. وأضاف أن على النقابة ملاحقة هذا الموضوع بجدية أكبر. أقر النقيب شوفاني بتقصير النقابة في متابعة الموضوع، وأكد الاستعداد لطرح المسألة في أقرب وقت ممكن على المسؤولين.
أخيراً يعتبر إقرار مشروع تنظيم مهنة خبراء السير أحد أوجه تفعيل السلامة المرورية، ولكن هل يحتمل هذا الموضوع المزيد من البطء، فيما يخطف الموت الآلاف سنوياً على الطرق؟


السلامة المرورية رهن قانون 67يرى البعض أن قانون السير الحالي بالٍ (صادر عام 1967) ولا يواكب المتغيرات العصرية، وقد عملت لجنة الأشغال النيابية على مشروع قانون جديد، إلا أنه لم يقر حتى يومنا هذا. المشكلة الأساسية تكمن في جهل المواطنين القانون، وعدم تطبيق نصوصه. وحدها الأعداد المرعبة لضحايا حوادث السير تظهر مدى عمق المعاناة على الطرقات، والإحصاءات تشير إلى تزايد عدد القتلى والجرحى سنوياً.