فازت أمس بالميداليّة الذهبيّة في «بطولة العالم للناشئين» في تايوان. المصريّة المتخصّصة في «الخماسي الحديث»، تجاوزت العشرين بعام واحد، وهي تعرف جيداً ماذا تريد، إذ تجمع بين «الحجاب» ــ خيارها الفردي ــ ودراسة «البيزنس»، والرياضة... ذلك الحلم العائلي القديم

دينا حشمت
عندما اتصلنا بها من أجل موعد، قالت إنّها في «معسكر داخلي» في فندق الشرطة في مدينة نصر، القاهرة. لا مانع لديها من إجراء المقابلة هناك، لكنَّ تدريباتها لا تترك لها إلَّا مواعيد محدَّدة كلَّ يوم. عندما وصلتُ، وجدتها منكبة على الـ «لاب توب» في بهو الفندق. عرضت عليّ شوكولاته وضحكت: «مش المفروض آكل الحاجات دي». صعدنا إلى غرفتها حيث اعتذرت عن «الكركبة»، وجلسنا على الشرفة. ملابس السباحة منشورة على جهاز التكييف، إنّها ملابس كاملة بأكمام طويلة. كانت تستعد لـ«بطولة العالم للناشئين» التي انطلقت في تايوان في 4 تمّوز/ يوليو الحالي، وقد نجحت أمس الأربعاء في اقتناص الميداليّة الذهبيّة. كانت في الوقت عينه، قد بدأت استعداداتها لـ «بطولة العالم للشباب» في القاهرة في 22 الحالي، «والهدف الأبعد شوية» هو «بطولة لندن للكبار» في آب/ أغسطس التي ستتهيّأ لها في معسكر بولندي لمدَّة أسبوعين.
عندما وصلنا مدينةَ نصر في الساعة الثانية بعد الظهر، كانت آية مدني قد فرغت من تدريبات السلاح والسباحة... وعندما غادرنا بعد ساعة بالضبط ـــ إذ إنَّها لا تتحدث كثيراً ـــ كانت تستعدُّ لتدريبات الفروسية والجري والرماية. هكذا تكون قد تدربت في يوم واحد على كل الألعاب التي تكوّن «الخماسي الحديث»، ذلك أنه بعد أولمبياد بكين في 2008، أصبح الخماسي يجري في ستّ ساعات فقط بدل 12 ساعة. يبدأ بمبارزة بالسلاح، تليها مئتا متر سباحة حرة، ثم الفروسية، وأخيراً الرماية والجري. «دمجوا الرماية والجري، وعلينا أن نجري كيلومتراً واحداً ونضرب خمس ضروب رشَّاش». تشرح لي بأناة وصبر: «هناك خمس لمبات المطلوب «تقفيلها» في عشر ثوانٍ، ثم نجري كيلومتراً واحداً. المجموع خمس عشرة رشة وثلاثة كيلومترات».
اختارت الخماسي مصادفةً بناءً على اقتراح مدرّب السباحة، هي التي بدأت الرياضة في التاسعة. قال لها: «عدد المشاركين قليل، لو موهوبة حَ تبقي مشهورة». تضحك: «كانت فكرة حلوة... وإحنا بنحب الصعب». التدريبات: كلّ يوم، من السادسة والنصف صباحاً في أيام الدراسة، ثمَّ بعد الدروس من الثالثة بعد الظهر حتّى التاسعة مساءً. البطولات: كلّ مرّة هدف جديد، مراكمة نقاط أكثر والحصول على أفضل ترتيب. أخذتها الدوامة: دوّامة الميداليات ولعبة الأسبقية. فضية عام 2001 في أوّل بطولة عالم لها تحت 18 سنة، ذهبيّة عام 2003 و2004، ثمّ فضيّة من جديد في 2005، وذهبيّة في 2006 في المسابقة نفسها.
كانت أصغر لاعبة في البعثة المصرية لـ «أولمبياد أثينا» عام 2004، وكذلك بين متنافسي الخماسي الحديث. لكنّها لا تترك الدوامة تبتلعها. هي هادئة ورزينة أو هكذا تبدو. لديها مشاريع أخرى. آية «في سنة رابعة إدارة، نقل دولي» في الأكاديمية البحرية، وقد تحاول في ما بعد تأسيس «مشروعها الخاص»، أو تعيّن معيدة في الكلية. تماماً مثل أخيها، البطل العربي في الجودو الذي يدرس في كلية الهندسة في عين شمس. وراءهما، الأب والأم: «أهلي هم الأساس»، تردّد لي. الأب مدير في المركز الزراعي، والأم موظّفة في السوق الحرة في المطار. قرّرا منذ البداية، مع سبق الإصرار والترصد، تربية بطلين. «كان هاجس بابا وماما أن نلعب رياضة» تحكي آية. تعبّر أكثر من مرة عن شكرها. «لا أعرف كيف كانوا يجدون الوقت، لكن الحمد الله، كانت الأولوية لنا وللرياضة».
هكذا، وقفا إلى جانبها وتركاها تنطلق. تقضي معظم وقتها بعيدة عنهما، في تدريبات أو معسكرات داخلية أو مسابقات في الخارج. في المعسكر، تعيش مع زملائها: سبع شابات واثنا عشر شاباً يتدربون معاً، تحت إشراف فريق من اثني عشر مدرباً. مدير فني بولوني، ثمّ مدرّب أو أكثر لكلّ لعبة، إلى جانب «دكتور التغذية ومدلكة ومدرب اللياقة البدنية». اعتادت آية نظام تغذية معيّناً: «فيه حاجات ممنوعة، لكنّي آكلها أحياناً مثلما رأيتني آكل الشوكولاته»، وتضحك. «ممنوع الأكل في الليل قبل النوم. نأكل بروتينات. لكن قبل البطولة بثلاثة أيام، نحاول أن نزيد النشويات ونقلّل البروتينات، لإعطاء مزيد من القوة للجسد».
العائد المادي يكاد لا يذكر. «من المعروف أنّ لعبة الخماسي «لعبة شهيدة» ليس لها رُعاة (سبونسورز)». تتقاضى 700 جنيه (127 دولاراً) في الشهر من «نادي الشمس»، تروي آية. وفي حال كسب بطولة عالمية «لن تتجاوز المكافأة 1200 دولار». ورغم هذا، تستمر. «هي معروفة بجديتها، وتتميّز بروح تحدّ عالية، كما تحكي لنا دعاء بدر، الصحافية التي تابعت عن قرب مسيرة آية: «إذا لم توفّق في الفروسية مثلاً، تصرُّ وتعاند حتى تتدارك تأخّرها وتأخذ الميدالية»! يبقى العائد المعنوي طبعاً، وهو أهم بكثير، فمصر هي البلد العربي الوحيد الذي يشارك في بطولات العالم في الخماسي. «مصر حصلت على أفضل نتيجة هذا العام، إذ تأهلت إلى نهائي كأس العالم مع خمسة رجال وثلاث سيدات» تقول آية، ثم تضيف باعتزاز: «ودِي أوَّل مرة نعملها».
أحياناًَ تجد مَن يدعمها ويكرّمها. محافظ الوادي الجديد مثلاً. هناك، يستغرب أهل الأب أنه يترك ابنته تعيش مثل هذه الحياة. «الناس هناك في الأرياف، بيقولوا إزاي وإزاي»... لكن بعد قرارها ارتداء الحجاب «فرحوا أكثر». إذا كان هذا القرار قد أفرح أهل الأب في الواحات، فهو في المقابل يعرّضها أحياناً لتعليقات في المسابقات الدوليّة. «يقولون: آية بتعمل كده علشان تلفت النظر، أو: آية إتجوزت ولا إيه؟ لديهم اقتناع في الخارج بأنّ ارتداء الحجاب يعني أنّ الفتاة تزوّجت. قلت لهم لا. هذا أمر شخصي، ولا أحد يجبر أحداً عليه». بسبب وجود متسابقة مصرية محجبة أخرى، لم تتعرض لمثل هذه التعليقات في بطولة «الجونيور». غيَّرت فقط ملابسها في السباحة والجري. هي قلقة بعض الشيء من قرار اتحاد السباحة الدولي منعَ الأكمام في رداء السباحة لأسباب مرتبطة بنزاهة المنافسة. لا تعلم إذا كان هذا القرار سيطبَّق على الخماسي بعد سنة أم لا.
قرار ارتداء الحجاب اتخذته آية في «أولمبياد بكين» سنة 2008. في تلك الليلة، حصلت على المركز الثامن بعدما علِّقَت عليها آخر آمال البعثة المصريّة، وهي بطلة العالم في الخماسي. «كرم جابر وأكثر من مرشّح توقعوا الحصول على ميداليات، ولم يحصلوا عليها. كانت مسابقتي في اليوم الأخير، وكان الضغط شديداً. مسابقة الفروسية بالقرعة، والحصان ليس لنا فـ «تيجي زي ما تيجي»، ولم أحظَ بحصان كويّس. كنت ثانية قبل الفروسية وبعدها طلعت في المركز الثامن». ما زالت آية مدني تستحضر بقوة ذكرى هذا الإخفاق غير المتوقع. لكنّ ذلك لا يمنعها من أن تستعد للألعاب الأولمبية في لندن، عام 2012. كل الأنظار موجهة إليها. تعي ذلك جيداً، وتعمل كلّ ما في وسعها بالجديّة المعروفة عنها، لتصل إلى الهدف المأمول، من دون أن تتخلى عن هدوئها.


5 تواريخ

1988
الولادة في القاهرة

2001
حازت الميدالية الفضية في بطولة العالم لمن هم تحت سنّ الـ 18

2007
توّجت بطلة العالم في الخماسي الحديث

2008
حازت المركز الثامن في «أولمبياد بكين»

2009
حازت ميداليّة ذهبية في بطولة العالم في روما، وحازت أمس الميداليّة الذهبيّة في «بطولة العالم للناشئين في الخماسي الحديث» في تايوان