ضحى شمسهي تحية توجه أولا، لمن تجاوبوا مع موقف من وحي المنطق والحس السليم فغيروا لغة الندوة التي دعينا إليها باديء الأمر بالإنكليزية، وجعلوها العربية، تجاوباً مع احتجاجنا. والقضية بكل بساطة: حق الصحافي اللبناني، ككل صحافيي العالم، بالتحدث بلغته "على أرضه"، وان يوجه إليه الحديث بهذه اللغة، ولو عبر مترجم، من قبل الأجانب المهتمّين بنا، بما بعد مرحلة السياحة. و"يسوانا ما يسواهم"، كما يُقال. ألسنا نتحدث بالفرنسية في فرنسا وبالإنكليزية في بلاد الإنكليز؟ بل اننا نتحدث تلك اللغات في مستعمرات تلك البلدان السابقة (وهي ليست سابقة أبداً). فلماذا يتوقع منظمو ندوة مثلا حول قضايا اعمار البارد القانونية، أن تغطي وسائل الإعلام المحلية الناطقة بالعربية حدثا يتناول قضية محلية، تعني مواطنين عرب، يحاضر فيها عرب، في بلد عربي، ان يكون النشاط بالأنكليزية؟ القرار نفسه، بإجبار الحضور والإعلام المحلي والمحاضرين انفسهم على التكلم بالأنكليزية، مستفز. فكيف إذا كان ذلك بسبب حضور 4 أجانب، ولو كانوا يمثلون أحد الاطراف الممولة، في قاعة ازدحمت باكثر من 50 فلسطينياً ولبنانياً؟
ما بدها هالقد؟ ربما. لكن لا شك ان درجة الاستفزاز ارتفعت بالتوازي مع إحساس متفاقم بتدويل الشأن اللبناني في تفاصيل تفاصيله، معطوفا على درجة نفاق سياسية عالية تنكر حصول "هالشي". إضافة، وهذا الأهم، إلى احساس متفاقم لدى اللبناني بأن تكلمه بالعربية يحط من شأنه، كمواطن عصري في عيون زملائه المواطنين اللبنانيين أولا! كأن التخلّي عن اللغة يجعله اوتوماتيكياً معفياً من كل مشاكل البلد التي يمكن أن تسيء إلى صورته. كأنه يقول: "أنا منكم ولست منهم"، ومنكم نعني بها الأجانب وليس اولاد بلده. هكذا، تعتذر الفتاة التي يحدثها صاحب الدعوة بالإنكليزية عندما لا تفهم بأن "ثقافتي فرنساوي"! في حين ان المتحدثين هما... لبنانيان!
لقد تحولت لغة الندوات والنشاطات الى مشكلة مهنية يومية. هكذا تفتش كل يوم "مين بيحكي فرنساوي يا شباب؟ مين بيحكي انكليزي يا صبايا؟ لاستنساب الأفضل من اجل تغطيات محلية. اهذا معقول؟
لا شك في أنه من المفيد أن يكون الصحافي متحدثا باكثر من لغة، فعالم اليوم هو البعد الحقيقي لأي مشكلة محلية، هذا اسمه العولمة، ولكن هل نصبح اميين اراديين بلغتنا الأم لأننا نحكي 3 لغات؟ قائمة الطعام بأي "سناك" في اي زاروبة، صارت أو بالأنكليزية أو بالفرنسية! بل أن بعض المسميات العربية تكتب بالأحرف اللاتينية من مثل Mankoushe ala Sag اي: منقوشة على الصاج. هل سيفهم الأجنبي ما الذي يعنيه هذا اللفظ اللاتيني.. بالعربية؟ لا بل ان البائع، التاجرن صاحب المصلحة تصوروا، لم يكلف نفسه حتى كتابة قائمة للطعام موازية باللغة العربية. مرة ثانية: ما بدها هالقد؟ لأ بدها. فأن نتحدث عن مشاكلنا بلغة اجنبية... بين بعضنا، "الله ما قالها".