في ظل غياب اهتمام الدولة بالقطاع الزراعي، لم يجد مزارعو البطيخ في البقاع سبيلاً لتأمين الأرباح وتغطية أكلاف الإنتاج، سوى التهجين والتطعيم عشوائياً دون تفكير بالنوعية والطعم، ودون رقابة من الدولة
البقاع ــ رامح حمية
«البطيخ اللي بالسوق مش بطيخ.. هيدا قرع مطعّم بطيخ». عبارة يرددها المواطنون كثيراً.
ولكن، على الرغم مما هو شائع لدى المواطنين، يؤكد المهندسون الزراعيون المطلعون على أمور التهجين والتطعيم أن الشتلة المستخدمة هي «كوسى» من شرق آسيا طُعّمت بشتل بطيخ وبطريقة تطعيم «المزلوف» أو «الشك».
المزارع في منطقة القاع، مسعود مطر، عزا السبب في لجوء المزارعين لتطعيم البطيخ إلى معاناتهم في المنطقة الحدودية، قائلاً: «نحن مسلوخون تماماً عن الوطن حيث لا كهرباء ولا طرق ولا أسواق، بدءاً من بلدة القاع وحتى بلدة العامرية على الحدود السورية ــــ اللبنانية، وعلى امتداد أكثر من 12 كلم، وثانيهما الفرق الكبير بين إنتاج شتلة البطيخ والقرع، ففيما يعطي دونم البطيخ طنين، يعطي دونم القرع 10 أطنان، وهذا الفارق الشاسع «يساعد بعض الشيء على تخطي الأعباء الكبيرة التي ترهقنا، وخاصة مازوت المولدات لري المزروعات 24/24، بالإضافة إلى خسائر المنتج الزراعي الذي يُتلف قسم كبير منه مع الأقفاص بسبب الطريق غير المعبدة» كما يقول، شارحاً أن جذور شتلة البطيخ ضعيفة جداً إذا ما قورنت بجذور شتلة القرع التي تتحمل الأمراض والعطش، فضلاً عن الإنتاج الأوفر، موضحاً أنه زرع هذا العام 200 دونم بطيخ (مطعّم) وبكلفة وصلت 44 سنتاً للشتلة الواحدة قبل الزراعة، جرى شراؤها من شركة في جبيل، ليضاف إليها دولار كلفة زراعتها، ودولاران عند بدء الإنتاج. وأكد مطر لـ«الأخبار» وجود «مافيا زراعية في مشاريع القاع تعتبر مسؤولة عن إيصال منتوجات زراعية غير مشروعة للمواطن المستهلك، مستنداً في ذلك إلى الإنتاج السريع «حيث يسبقوننا بالإنتاج بخمسة عشر يوماً على الرغم من زراعتنا للشتول سوياً»، متسائلاً: «لماذا يمنعون عمالهم من الاطلاع على الأدوية التي توضع في الخلاطات الخاصة بالتنقيط، ويعمدون إلى إحراقها بالكامل حتى لا يبقى لظرف الدواء أي أئر أو حرف يدل على الاسم؟»، مضيفاً: حتى المهندسون الزراعيون يرفضون تقديم أي معلومة، على قاعدة «ابعد عن الشر وغنيلوا»!
بدوره، يعتبر المزارع خليل مطر أن المسؤولية تقع على عاتق «الدولة ووزارة الزراعة خاصة، حيث لا اهتمام بشؤون المزارعين، في وقت يسمح فيه لبعض المزارعين الإقطاعيين بخلق كانتونات خاصة بأمور الزراعة، حتى بات لديهم دولتهم الخاصة ضمن الدولة اللبنانية ولا من رقيب أو حسيب»، ويضيف «أن بعض أصحاب المشاريع في القاع وعددهم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة يتعاونون مع وزارة الزراعة وعدد من الشركات الكبيرة، حيث أصبح لهم نفوذ كبير في سائر المجالات الزراعية وباتت الأمور أشبه بالاحتكار». من جهته رأى المزارع مهدي كردية أن المساحات الزراعية في القاع بدأت تتقلص وتقتصر على الإقطاعيين الزراعيين الذين يستطيعون تحمل الأكلاف الكبيرة، فسابقاً كان يزرع في القاع 16 ألف دونم بطيخ، أما اليوم فلم يبق إلا 2100 دونم فقط».
من جهة ثانية أكد المهندس الزراعي محمد عثمان في اتصال هاتفي مع «الأخبار» أن الشتلة التي تُطعّم ليست قرعاً بل هي «كوسا» من آسيا الشرقية وذات شكل مبروم، وتتميز بجذورها القوية التي تتحمل الأمراض الموجودة في التربة، بالإضافة إلى زيادة في الإنتاج بنسبة 20%، وبعدد شتول أقل، حيث يمكن المزارع أن يزرع 350 مطعوماً بالدونم الواحد، فيما يحتاج إلى 800 شتلة بطيخ. شارحاً أن مزارع البطيخ تخلى عن الشتلة الطبيعية بالنظر إلى الأمراض التي تصيب التربة (الشلل)، التي تتطلب دورة زراعية لا يزرع فيها المزارع بطيخاً لمدة خمس سنوات، وفي ظل عدم وجود مساحات شاسعة لدى المزارعين للتبديل كان الحل الأنجح هو التطعيم بشتلة الكوسا ذات الجذور التي تتحمل الأمراض وتعطي الإنتاج الأوفر. ولفت عثمان إلى أن التطعيم والتهجين غير مضرّين بصحة الإنسان، وخاصة أن الشركات تقدم على الخطوة بعد دراسات وتجارب عديدة، موضحاً أن طعم البطيخ اختلف مع الأيام بالنظر إلى اختيار المزارعين بذور بطيخ معدل إنتاجها كبير ومرتفع، دون التنبه إلى مسألة الطعم، وأضاف قائلاً: «هناك حوالى 60% من سوق البطيخ مبكر الإنتاج، وهو ما يفتش عليه المزارع، بالإضافة إلى الإنتاج الذي أصبح عنده أكبر بمرة ونصف، ودون التفكير بالطعم ونوعية التطعيم وطريقته». إلا أن عثمان عاد وأكد أن عدد المزارعين الذين واصلوا زراعة البطيخ الأصلي في البقاع وصل حد 2% في السنتين الماضيتين، إلا أن هذا العام شهد عودة 15% من المزارعين في السفري وسرعين ليزرعوا بطيخ أيام زمان.