حسان الزين


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

لم يأخذ موضوع بيروت مدينة آمنة منزوعة السلاح، الحيّز اللازم من النقاش والبحث. هذا طبيعي، متوقع. فمن طرحه أو يسوّقه، النائب نهاد المشنوق، له خصوصيّته، حتى ضمن الجهة التي يُنسب إليها وبالنسبة إلى مركز قرارها وهوامشه وتوابعه.
فعلى الرغم من حاجة هذا الموضوع إلى محرّك قادر على وضعه في دائرة الحوار وحمايته وتوجيهه، فإن كون نهاد المشنوق، شخصياً، من يقوم بذلك، يعدّ نقطة ضعف بقدر ما هو نقطة قوّة.
نهاد المشنوق المخضرم مخيف، وإن كان يظهر قدرة على الحوار الودود الهادئ المفتوح على التجارب والأطراف، إلا أنّهُ غامض أو ملتبس ويتسبّب بالحذر لدى «حلفائه» والآخرين على حد السواء وبنسب متفاوتة. ومصدر غموضه والحذر منه هو شخصيّته وسيرته السياسية وعلاقاته الحالية. هذا الشخص الأكثر حنكة بين نوّاب بيروت ليس، في هذه اللحظة بالذات، ممن يُحسبون على رئيس تيار المستقبل، النائب سعد الحريري. هو مفرد بصيغة الجمع، يقدّم نفسه كامتداد للرئيس الشهيد رفيق الحريري. أي هو حريري من نوع خاص، ويستمد مشروعيته هذه من التصاقه السابق بالرئيس الشهيد لا من اقترابه من الوريث الحريري. وهو يمسك بالعديد من مفاتيح الرئيس الشهيد وشنطه وأختامه ودفاتر شيكاته، محلياً وخارجياً ولا سيما عربياً، سعودياً ومصرياً بشكل خاص. وقبل هذا، وهنا نقطة ضعفه بالرغم من قوّة شخصيته، غالباً ما يعزف منفرداً، ويتقدم وحيداً، ويتجاوز الدائرة المرسومة حول أداء نواب بيروت. يقدّم نفسه كفعّالية خاصّة، كاسم قائم في ذاته. فيما العادة، بين نوّاب بيروت «الحريريين»، أن يلتزموا تلك الخطوط حتى ولو لم تُرسم لهم وحولهم. منذ «الاستئصال الديموقراطي» للرئيس سليم الحص، من النادي النيابي البيروتي، لم تشهد العاصمة، ولا سيما بين نواب الحريري، حالة من هذا النوع.
يستفيد المشنوق، في حركته اليوم، من كونه نائباً في دائرة بيروت الثانية، حيث المقترعون متنوعون، وخصوصاً من السنّة والشيعة. وهذه نقطة ضعف أخرى. فهو، ما دمنا نعتبره محنّكاً، يدرك أن تسويق موضوعه وشعاره، بيروت منزوعة السلاح آمنة للجميع، يحتاج الى اتفاق القوى السياسية الموجودة في بيروت عموماً وفي دائرته الثانية خصوصاً. ومن تلك القوى تيار المستقبل، الذي لا يتكلّم المشنوق باسمه، وعلاقته به ليست واضحةً. فهو في الدائرة الثانية، على هذا الصعيد. كأنه من يعتبره المستقبل في الدائرة الثانية حوله، وقبله الدائرة الثالثة، والأولى أيضاً.
ما مصير شعاره إذاً؟
أهو انتخابي لتأسيس قبول شعبي وسياسي يخترق الانقسام المذهبي والحزبي؟ لعله كذلك. ما يعني أنه يلعب سياسة عن جدّ. وهو كذلك. والأهم، أنه يلعب في الخارج القريب من المستقبل، في الدائرة الثانية.
ربما يخرج المشنوق، الذي يتقن تقديم نفسه وتظهير صورته وتجديدها، وينفي ذلك. لكن هذا ليس مهماً. المهم كيف سيتعامل مع مشروعه ـــــ شعاره «الجامع الآمن» ذاك. وهل سيستمر في طرحه؟
يقول إنه لا يريد أخذ شعاره إلى السياسة. إلى أين؟ والسلاح والميليشيات والاقتتال، أليست سياسة؟ وهو يعرف أن الصيد وسلاحه سياسيان.
كأن المشنوق يدرك أنه ليس القابلة القادرة على توليد بيروت مدينة منزوعة السلاح آمنة للجميع. إلا أنه بادر ويظهر حرصه على تفعيل تسوية الدوحة. وإذ يُحسب له هذا «النضال السلمي» من أجل الناس، يؤدي دوراً من وحي تسوية الدوحة التي «رشّحته» ليكون نائباً بالتزكية عن الدائرة الثانية في العاصمة. فهو في حركته هذه يستمر عند باب التسوية. وإن جعله ذلك أحياناً في موقع هامشي، إلا أنه قادر دائماً على القفز إلى الواجهة من خلال شخصيته وعلاقاته التي تبقيه في الصورة الحريرية.
وعلى الرغم من ذلك، ما زال المشنوق بحاجة إلى ألوان في صورته التي تذكّر بالرئيس الشهيد رفيق الحريري. وهنا، يقترب من المحظور. المهمة صعبة. فهو بحاجة إلى صلة الرحم بالرئيس الشهيد، لكنّ ثمة رحماً واحداً، أو رئيساً، الآن: سعد الحريري. وهذا الرحم الرئيس لا حاجة لديه إلى بديلٍ في زمن التسوية. وحين يشتد الانقسام السياسي يستبدل نفسه بممثل انقسامي خلافي كالرئيس فؤاد السنيورة. والمشنوق الذي يستعيد في هذه الأيام وفي طرحه البيروتي، دوره إلى جانب المفتي حسن خالد، يحرص هذه الأيام، كما في العديد من محطّاته، على إخفاء كونه صقراً مثلما يصفه كثيرون ممن يعرفونه ورافقوا مسيرته، قبل المرحلة الحريرية خصوصاً.
لا يمكن تجاهل أنَّ الكلام عن عاصمة منزوعة السلاح وآمنة، هو بيروتي أصيل وطالع من ثقافة سلميّة منفتحة، لكنه ضد التيار، ولا سيما المستقبل وحالته الميليشيويه الطارئة كرد فعل على السلاح الآخر. هنا، امتحان المشنوق في الانتماء إلى الناس والعاصمة الجامعة أو إلى السياسة وألعابها وشعاراتها.