صور ـ آمال خليليسهل على من يرى ريكي (الاسم مستعار) أن يكتشف أنه مثلي جنسياً قبل أن يبوح هو بذلك بطريقة غير مباشرة. الشاب الذي يعمل مزيناً في أحد صالونات الحلاقة النسائية في صور، لا يتوانى عن التشبه بالنساء بحركاته ولباسه ونبرة صوته وتسريحة شعره وحاجبيه والأقراط في أذنيه. إحدى الزبونات ترى أن «مثلية ريكي الجنسية لا تمثّل عائقاً بالنسبة إلينا بل تجعله الصديق المفضل وحامل أسرار عدد منا باعتباره يشبهنا في أشياء كثيرة». الراحة التي يضفيها الشاب على الصالون وعلى حياة بعض زبوناته، لا تنعكس على محيطه، الذي لا يخفي عنه اشمئزازه أو سخريته منه في أحيان كثيرة. الأمر الذي يجبره على تضييق مساحة عيشه: العمل والمسكن وقلة من الأصدقاء الذين يشبهونه في كل شيء، يلتقيهم إما في منزل أحدهم، أو سراً تحت ستار الليل في أحد اطراف المدينة بعيداً عن أعين الناس.
رفض المجتمع في صور «حالة» ريكي تصل إلى حد نفي الكثيرين وجود الظاهرة في المدينة من أساسها. محمد بواب (65 عاماً) يستغفر الله ويستعيذ من الشيطان «من زمن يمارس فيه النساء والرجال الجنس كل على حدة». ويرفض «انجرار مجتمعنا المتماسك والمتديّن إلى خطيئة كهذه».
ولأن الله الذي يستغفره الحاج محمد هو من خلق نحو 10 في المئة من البشر مثليين جنسياً، ولأن الظاهرة موجودة في صور وأينما كان وتحتاج إلى تمعّن في أسبابها وتداعياتها، قرر منتدى صور الثقافي اختراق المحظور، وأفرد ندوة حوارية خاصة للنقاش في القضية، بحسب رئيس المنتدى الدكتور ناصر فران. الخطوة المحظورة الأولى تجلّت في دعوة نادي السينما الصوريين والمهتمين إلى حضور الفيلم الأميركي «ميلك»، الذي يروي قصة حياة «هارفي ميلك» السياسي والمناضل من أجل حقوق المثليين في الولايات المتحدة في عقد السبعينات والحاصل على جائزتي أوسكار.
عرض الفيلم وحان وقت مناقشته من الناحية الاجتماعية والثقافية ومقاربته مع المجتمع المحيط. الحاضرون القلّة الذين لبّوا الدعوة «المثيرة للجدل والمحرمات»، يقول علي شرف الدين مسؤول النادي، باتوا أقل من أصابع اليد الواحدة، لأن معظمهم كان قد انسحب تدريجاً بسبب بعض المشاهد التي اعتبروها «إباحية بين رجلين». أما الذين صمدوا إلى النهاية، فإنهم اختلفوا في ما بينهم على حجم وجود ظاهرة المثليين في صور وضواحيها، موقنين بصعوبة دراستها وتقويمها لأنها «لا تُرى بالعين المجردة بل نسمع بها». ففيما أكد البعض انتشارها سراً بين شخصيات مرموقة ومعروفة امتنعوا عن ذكر أسمائها، برّر البعض الآخر عدم ملاحظتهم إياها «لأن عناصر هذه الفئة يعرفون بعضهم بعضاً ولا يعرفهم الآخرون بسبب ممارستهم المثلية في الخفاء للدواعي الدينية والاجتماعية والثقافية، التي تمنع تقبّلها ولو بعد مرور سنوات عدة».


ثرثرات مدينة محافظة

يتناقل أهالي صور التي تعج بمئات الأجانب، «ثرثرات» عن «شلل» مؤلفة من شبان أو من صبايا وحسب، يجتمعون في ساعات متأخرة على شواطئ البحر أو في البساتين المحيطة بالمدينة. وتذهب الثرثرات إلى القول إن هؤلاء يمارسون الأشكال الجنسية الثلاثة المحرّمة اجتماعياً: اللواط والسحاق والدعارة، إضافة إلى تعاطي المخدرات. وفيما عيون الناس تتهم، فإن ألسنتهم تمتنع عن ذكر أسماء المتورطين «حرصاً على المصلحة الصورية العامة ومنعاً لتشويه هويتها الثقافية والاجتماعية المحافظة»، يبدو أن هذه الشائعات تترجم مخاوف الصوريين المحافظين من اختلال نظم عيشهم في ظل وجود «أشكال وألوان» من الأجانب في المدينة بموجب عملهم ضمن هيئات دولية، حيث يضفون عليها الكثير من أساليب عيشهم ولهوهم.