strong>شاب جامعي درس الهندسة الداخلية لكنه لم يبحث عن وظيفة بل فضل المغامرة بتحقيق مشروع خاص«إجمالاً ما حدا مات...»، يقول نور بعد الانتهاء من شرح الإرشادات اللازمة للراغبين في ممارسة لعبة «الرافتينغ» في نهر العاصي. عندها فقط تنفرج أسارير المتأهبين لركوب القوارب المطاطية، بعدما ارتدوا سترة النجاة و»الكاسك». لكن نور لا يترك هذه الأسارير منفرجة لوقت طويل، بل يسارع إلى تكملة جملته لتصبح: «إجمالاً ما حدا مات إلا ووجدنا جثته بعد يومين».
لا يكتفي نور بهذه النكتة، بل يتابع: «إذا وقع أحدكم في النهر، لا تخافوا. المسؤول عن إدارة القارب ينقذه. لكن إذا شعر أحدكم بأن المياه سحبته بعيداً فأطلب منه شيئاً واحداً فقط. أن يخلع السترة والكاسك ويحاول تعليقهما على أحد أغضان الأشجار المحيطة بالنهر. بصراحة سعرهما مرتفع جداً».
يضحك الموجودون ويستعدّون لركوب القارب، فيتأهّب نور للعب دور آخر أكثر جدية. لقد بات مسؤولاً عن ستة أشخاص كانوا معه في قارب سيسير لمدة ساعتين في النهر. «لم أخف يوماً من النهر، فأنا ابنه، لكنها المسؤولية. هناك حياة الناس من جهة، وسمعة اللعبة من جهة ثانية» يقول. لذلك يتحوّل إلى شخص جدي، وخصوصاً لدى الاقتراب من الشلالات التي ستنزلها القوارب، ليعود إلى المزاح، غير متردّد في إلقاء بعض الركاب في النهر حيث يكون مستوى المياه منخفضاً. نور الدين المقهور شاب في الواحدة والثلاثين من العمر. أسّس مع صديقه محمد علي العميري، نادياً لـ«الرافتينغ» أسمياه «أكوا عاصي». مشروع صغير يمارس فيه الشابان هوايتهما، ويؤمنان منه عملاً مدرّاً للأرباح صيفاً. «لكن الأهم أنه مشروع يعرّف اللبنانيين إلى منطقة منسية من لبنان»، يقول نور مبدياً فخره بطبيعة المنطقة التي ينتمي إليها، وخصوصاً عندما يلمس إعجاب الموجودين وإقبالهم عليها.
لم يكن الأمر كذلك قبل سنوات قليلة. بل كان العاصي كنزاً مخفياً لا يعرف قيمته إلا أبناء المنطقة، ونور أحدهم، من دون أن يعرفوا طريقة للاستفادة منه. لكن الفتى الذي اعتاد السباحة في النهر منذ طفولته، التقى قبل نحو 13 عاماً بما اعتقده «مخلوقات فضائية» كانت تجذّف في النهر، تبيّن لاحقاً أنها آتية من فرنسا على يد علي عواضة رائد «الرافتينغ» و»الكاياك» في لبنان (راجع الإطار). تحمّس نور للعبة وأبدى استعداداً لتعلّمها على أصولها، ما جعله يشارك في بطولة العالم في «الكاياك».
البداية كانت رياضية إذاً. وجهد نور مع مجموعة من الشباب لتفعيل هذه اللعبة، لكن التدخلات السياسية عرقلت الأمر، ما جعله يختار التوجه نحو السياحة والأعمال. الأمر لم يكن سهلاً مع الأسعار المرتفعة للقوارب وسترات النجاة والخوذات، لكن الثقة بنجاح المشروع كانت تستحق العناء والمغامرة، والدراسة أيضاً. فخضع لدورات تدريبية على توفير الأمان داخل القوارب، ليحوز شهادات من الاتحاد الدولي والاتحاد الفرنسي. كلّ هذه التقنيات تعلّمها على نفقته الخاصة من أجل التمرّس في مشروع يحقق له المتعة والفائدة على حدّ سواء.
نور متخرج جامعي أيضاً، درس الهندسة الداخلية لكنه لم يبحث عن وظيفة لعدم رغبته الالتزام بدوام، لذلك افتتح عملاً خاصاً في بيروت ويحلم بيوم يرى فيه بطولة العالم في «الرافتينغ» تنظّم في لبنان.
مهى...