حسن عليقخُتِم الحكي، فقررت أن أسرق لكِ كلمات قليلة. أنتِ محقة، لستِ منهم. لكِ البحر ولهم ما يلفظه. لكِ زهرٌ ولهم عيون باردة كتلك الليلة التي يقدّسون. لهم طقوس سوداء خالية من السحر. هي صامتة كالأصنام. وإن نطقت فصراخاً. هم الناعقون. يعبدون علباً للضجيج تكشف حقيقة روائحهم. لا يدرون أن لهم بلاداً، وأن لها إسماً... هو توأم النوى.
ولكِ نسيمٌ حُر. ولنا سبيل في قعر ماء يلذّ شربه. لا يسلكه سوى من لا يخطر في بالهم أن يسألوا عن طعم الموت. ومن إذا بانوا، رسموا سماءً وما رجعوا. ولكِ القمح... والزمان نذريه كما يفعل موج البحر برمل الشطآن.
وفي البعيد، لنا مدينة لونها شجر، وماؤها نجوم. حُبها كالنوْر يسع قبلة أو أكثر. ترى نفسها وهي نائمة، فلا تجيب بـ«لا» كلما سُئلَت: «هل تعرفين كم أنتِ جميلة؟». وقبل أن يرى الضوءُ عينيها، تدرك معنى أن يحرس الإلهُ قلباً لا يرضى بأقل من أن يقطن «هنا».
■ ■ ■
جاد المالح. جاد المليح. لا أعرفه. أنا جاهل بالثقافة وشعابها. كنت قد سمعت باسمه، لكن من دون تحديد ما إذا كان مغنياً أم مسرحياً أم فنان تجهيز (يعني installation، ييييه).
لم أشاهد ما بثته «المنار» عنه. والأمر عندي سيان: خدم في الجيش الإسرائيلي أم أعلن مناصرته له، أم أن كل ما فعله (تخيّلوا أن كل ذنبه) هو المشاركة بحملة دعم لذوي الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط. والفعل الأخير «ربما يحمل في طياته تعاطفاً ما»، بحسب أحد كتاب «نهار الشباب» في سائر المشرق.
فلنقلها على طريقة ضباط المجتمع المدني ورتبائه. فلنرفع أكتافنا، ولنلفظ كلمة بالفرنسية أو بالانكليزية، ولنبحث عن ترجمتها. سيجيبنا زميلنا الذي بقربنا. سنبتسم ونكمل الحديث. ولنسقط اسم عائلته، فنتحدث عنه كأنه أحد خلّاننا. سيقول الجنرال المدني إن ذنب جاد هو أنه أنسن القضية. هو يتحدّث فقط عن أم جلعاد وأبوجلعاد، بعيداً من السياسة. هما «بالنهاية» بشر مثلنا (آهه)!
ذلك كلّه لا يعنيني. قولوا فيّ ما شئتم. شمولي، كاره للحياة، عدو للفن... أنا مع منعهم من دخول لبنان لمجرد الاشتباه بتعاطفهم مع إسرائيل.
سرّني أن المالح/المليح لم يأتِ إلى بلادنا. هي نقطة فازت بها الشمولية على حساب «الفن للفن» ومحاولة فتح حوار مع المليح/المالح في بيروت أو فوق ركام شارع السيد عباس. ليك هالسمعة! وكأن محاورته عصيّة على الحدوث في باريس. يمكن من يريد مناقشته أن يعرّج على أحد مقاهي الشانزيليزيه، ويحاوره هناك. وإذا قال جاد/gad غير ما قاله، يصبح هيّناً عليه المجيء إلينا. عندئذ، ربما (نعم ربما) لن تؤذي طلته والدة شهيد. اختر من شئت منهن، والدة جهاد أو مروان أو علي... أو تلك الطفلة التي كانت في حضن أمها ذات يوم من تموز 1993. في لحظة سكون، احتل الجحيم منزلها الواقع على تلة هانئة في البقاع الغربي. استشهد والداها وشقيقتها. أما هي، فنجت بأن قذفها عصف الصواريخ إلى خزانة المطبخ، حيث وجدها بعد ساعات من كانوا ينقّبون بين الركام. من يدري؟ ربما كان قائد الطائرة التي رمت الموت يدعى أبوجلعاد... أو أم جلعاد.