لم يتّفق المقرّر روبن فنسنت مع بعض العاملين في المحكمة الدولية، فرحل وعُيّن الأميركي دايفد تولبرت مكانه. المقرّر الجديد خبير متعاقد مع معهد أميركي للسلام من بين أعضاء مجلس إدارته نائبة الرئيس الأميركي هيلاري كلينتون. لكنّ المحكمة تؤكّد استقلاليتها. طبعاًعمر نشابة
عيّن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الأميركي دايفد تولبرت مقرّراً (رئيس القلم) في المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان، خلفاً للبريطاني روبن فنسنت الذي استقال من المنصب في 21 نيسان الفائت بسبب «عدم انسجامه مع بعض العاملين في المحكمة»، بحسب ما قاله إثر آخر زيارة قام بها لبيروت مطلع حزيران. وذكر بيان تعيين تولبرت الصادر عن الأمانة العامة للأمم المتحدة أنه «سيأتي بخبرته الغنية في عمل المحاكم الجنائية الدولية».
يشغل تولبرت حالياً منصب مساعد الأمين العام ومستشاره الخاص لشؤون محاكمات الخمير الحمر في كامبوديا، كما أنه من بين المتخصصين المعتمدين (حائز على تمويل من برنامج جنينغز راندولف ـــــ Jennings Randolph Fellowship Program الذي تنتهي مهلته في 31 تموز 2009) في المعهد الأميركي للسلام (UNITED STATES INSTITUTE OF PEACE). وتتركز مجالات اختصاص تولبرت بحسب المعهد على «استخدام القوّة» (Use of Force) و«حكم القانون» و«حقوق الإنسان». ويحدّد المعهد هدف مشروع تولبرت (Tolbert’s project aims to) بالآتي: «ملء الفراغ المعرفي في تحديد تأثير المحاكم الدولية على السلام والأمن في الدول التي تخضع لسلطة هذه المحاكم القضائية». ومن المفترض أن يصدر عنه قريباً دليل خاص بالمدّعين العامّين وبالمسؤولين عن التواصل في المحاكم الدولية. ويعتبر المقرّر الجديد من أكثر الداعمين للمحكمة الجنائية الدولية، وكان قد شارك في حلقات النقاش التي سبقت إنشائها ممثّلاً المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة، وعارضاً إيجابياتها من جهة وسلبياتها من جهة أخرى.
وسيتسلّم تولبرت وظيفته الجديدة في 26 آب 2009، ولم يتوضّح، أمس، ما إذا كان ينوي الاستقالة من المعهد.
نائب سابق لمدّع عام لا تقتصر خبرة تولبرت على الشؤون الإدارية في المحاكم الدولية الخاصة، إذ إن الأمين العام السابق كوفي أنان كان قد عيّنه نائباً للمدّعي العام في المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة في آب 2004. وكانت القاضية السويسرية كارلا ديل بونتي تشغل منصب المدّعي العام في محكمة يوغوسلافيا السابقة أثناء تلك الحقبة الزمنية التي شهدت توتّرات بينها وبين أنان على خلفية عدم مراعاتها الاعتبارات السياسية الأممية. كما يذكر أن ديل بونتي كانت قد طلبت فتح تحقيق في الجرائم المحتملة التي قامت بها قوات حلف شمالي الأطلسي في يوغوسلافيا السابقة، ما أزعج بعض القوى الدولية. وكانت ديل بونتي قد قالت لـ«الأخبار» في 14 أيلول 2007: «إن السياسة تؤدي دوراً كبيراً في مسارات العدالة. وعلى سبيل المثال، كنت قد بدأت مع فريق العمل بالتحقيق في جرائم الحرب التي يشتبه في أن قوات حلف شمالي الأطلسي قامت بها في يوغوسلافيا السابقة، لكننا لم نستطع أن نجمع الأدلّة الجنائية الكافية لانتقال القضية إلى المحكمة. ولا يمكن إخفاء حقيقة أن عقبات سياسية وقفت أمام استمرارنا بهذا التحقيق». ونُحّيت القاضية السويسرية التي تشغل اليوم منصب سفيرة بلادها في الأرجنتين، واستُبدلت بالرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية المستقلة في قضية اغتيال الحريري القاضي البلجيكي سيرج براميرتس.
البيان وما لم يذكره وورد في بيان وزّعته أمس المتحدثة باسم المحكمة الخاصة سوزان خان أن تولبرت «يتمتع بخبرة طويلة في العمل في المحاكم الجنائية الدولية، إذ شغل مناصب رفيعة في كل أجهزة المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة. فقد عمل نائباً للمدّعي العام من 2004 إلى 2008، ونائب رئيس قلم المحكمة من 2003 إلى 2004 ومدير مكتب رئيس المحكمة من 1998 إلى 1999».
وتابع بيان المحكمة في وصفه للمقرّر الجديد «من مواليد عام 1956، متأهّل وحائز ماجستير في القانون الدولي من جامعة نونتيغهام في بريطانيا، وشهادة دكتوراه من جامعة نورث كارولينا في الولايات المتحدة، وإجازة من جامعة فورمان في ولاية كارولينا الجنوبية الأميركية. وله مؤلفات عدة في مجال القانون الجنائي الدولي».
لكن ثمة أمور تتعلّق بتاريخ تولبرت قد تساعد في التعرّف إليه عن قرب لم يذكرها البيان، ومنها أنه متعاقد مع المعهد الأميركي للسلام، كما ورد في الفقرة السابقة، وأنه شغل منصب رئيس الدائرة القانونية في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في الشرق الأدنى أو ما يعرف بـ«الأونروا»، وهي المنظمة المكلفة بمساعدة اللاجئين الفلسطينيين. وصحيح أن مكتبه كان في فيينا ومن ثمّ انتقل إلى قطاع غزّة، غير أن تولبرت زار على الأرجح لبنان في السابق والتقى بعض النافذين فيه، وليست السياسة اللبنانية وتعقيداتها غريبة عنه تماماً.


تبديلات
منذ انطلاق التحقيقات الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري تبدّل عدد من المحققين والإداريين. فبعد انتهاء مهمة لجنة تقصي الحقائق برئاسة الإيرلندي بيتر فيتزجيرالد، انتقل الملف إلى لجنة التحقيق الدولية التي ترأسها أولاً المدعي العام في برلين ديتليف ميليس. وبعد رحيله في كانون الأول 2005، ترأس اللجنة القاضي البلجيكي الذي كان يعمل في المحكمة الجنائية الدولية سيرج براميرتس وعمل على ملء الشواغر في فريق التحقيق بعدما غادره العديد من أعضائه. ومع انتقال براميرتس عام 2008 إلى المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة عُين القاضي الكندي دانيال بلمار رئيساً للجنة، وكذلك انتُدب ليشغل منصب المدعي العام الدولي إثر انطلاق عمل المحكمة مطلع آذار الفائت.

دايفد تولبرت: الجانب الآخر من التكامل
«لقد قرّرت اختصار أبحاثي، ولم آتِ بتوصيف دقيق لها حتى الآن، لكنني أتفحّص اليوم ما أطلق عليه «التكامل الإيجابي» أو «الجانب الآخر من التكامل» (the other side of complementarity). أنظر الى كيفية عمل المحاكم الدولية بفاعلية مع المحاكم المحلية». قال تولبرت لزكريا مانفريدي وجولي فيروف من جامعة أوكسفورد البريطانية خلال مقابلته في 20 آذار الماضي ضمن برنامج «مراقبة المحكمة الجنائية الدولية». وتابع تولبرت: «لقد عملت على إطلاق «برنامج قواعد الطريق» الذي يراجع فيه مكتب المدعي العام الدولي قضايا تعود للمدعي العام المحلي للنظر في ما إذا كانت تتلاءم والمعايير الدولية. كذلك عملنا بعد إصدار مضبطة الاتهام على إحالة قضايا من المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة على المحاكم الوطنية على أن تخضع للرقابة».