إيلي شلهوبيستعد المخرج لإسدال الستارة عن المشهد الأول من المسرحية الجديدة التي تُعرض في هذه الأيام على خشبة الشرق الأوسط. وفيه جرى التعريف بالممثلين جميعاً، وخاصة الذين يؤدون أدوار البطولة: العم سام والحاخام يسرائيل والرئيس القائد والفرعون الخالد والملك المفدّى والسلطان وآية الله والقيصر.
الانطباع الأول هو أن العرض الحالي، «أوباما والمنطقة»، ينحو أكثر نحو الرومانسية. فيه كثير من الخطابة، على طريقة مسرحيات كورناي. اجتماعي الطابع بطيء الإيقاع. يختلف كثيراً عن ذاك الذي قدمه بوش على مدى ثمانية أعوام خلت (حركة وإثارة وتشويق).
في المشهد المذكور ظهر كيف أن بطل المسرحية الأساس، العم سام، مهتم بالمنطقة، المعروفة بأنها بؤرة نزاعات، إلى حد استعداده للاصطدام مع الحاخام إن لم يلتزم هذا الأخير بما تمليه مصالح الطرفين، على الأقل من وجهة نظر سيد البيت الأبيض. وكيف أن الرئيس القائد والملك المفدى يتقاربان بعد سنوات من الجفاء، وإن كانت لا تزال هناك عقبات تحول دون الانسجام التام، بعضها مرتبط بالأوضاع في إمارة بلاد الأرز. حتى الفرعون يبدو أنه متفائل بصلحة مع الأخ الرئيس، ربما تكون وشيكة، على الأقل هذا ما أوحى به شاعر البلاط أبو الغياط، (تسهيلاً لخلافة محتملة!). بوادر لترميم علاقة صداقة قديمة شلّعتها الخلافات عن كيفية التعاطي مع الحاخام والعم سام. وهذا كله على وقع سيمفونية أوبامانية عُزفت على مرحلتين، الأولى في إسطنبول والثانية في القاهرة، لإضفاء بعض الرونق.
لكنّ الأحداث هذه لم تخل من إثارة، أبرزها عندما واجه آية الله اضطرابات أمل كثير من الشخصيات أن تؤدي إلى إطاحته. اللافت كان ردة فعل العم سام، الذي نجح نسبياً في الحفاظ على رباطة جأشه، وعدم التدخل المباشر في شؤون بلاد فارس، وإن كان المخرج أوحى في كثير من الأوقات أنه وغيره من أباطرة القارة القديمة كانوا ضالعين في ما حدث.
بدأ الكل الآن يترقب ما سيكون عليه سيناريو المشهد الثاني. حرص المخرج على تقديم بعض المفاتيح: العم سام سيقدم خطة للتسوية في المنطقة تقوم على مبادلة تجميد الاستيطان (مع بعض الاستثناءات) بخطوات تطبيعية في خلال مؤتمر دولي يُعقد برعاية القيصر، يُطلق مفاوضات مبنية على أساس خريطة الطريق ومؤتمر أنابوليس، مع ما يحملان من تناقض بنيوي (الأولى تنص على الانطلاق نحو التسوية على مراحل، يحرقها الثاني الذي يفرض البحث في الملفات النهائية).
بذلك، يكون العم سام قد أعاد رمي الكرة إلى الأطراف الأخرى، التي لا تزال تنتظر منه مشروعه للحل. الحاخام لا شك في أنه سيجد نفسه في مشكلة داخلية تهدد التركيبة الحكومية الحالية (اليمينية بتطرّف والرافضة لتجميد الاستيطان)، اللهم ما لم يبادر الملك والفرعون إلى نجدته بالترويج لخطوات تطبيعية خليجية ومغربية تنقذه من براثن السقوط.
كذلك الأمر بالنسبة إلى آية الله، الذي يدرك أن أي حراك للعم سام إنما يستهدف بالأساس النيل منه، ومن غير الواضح كيف ستكون عليه ردة فعله؛ قد يرى في ذلك ملهاة إقليمية تبعد عنه الأعين وتوفر له الفرصة لاستكمال ما بدأه نووياً. وربما يجد فيها خطراً على مشروعه للمنطقة ويسعى إلى اجهاضها.
الرئيس القائد لن تكون لديه مشكلة، فهو قادر على التكيّف في جميع الحالات، بانتظار أن يستعيد حقوقه على «طبق من ذهب»، وهو يدرك أن هواه يبقى شرقياً ما دامت الأطراف الغربية عاجزة عن منافسة حلفائه في قدرتهم على تقديم المنافع له.
أما الفرعون، فلا بد أنه سيكون في غاية السعادة، وخاصة أن تلك الخطة ستوفر له الفرصة لتعزيز أوراق اعتماده لدى العم، كما أنها ستعزز دوره في المنطقة، القائم أساساً على التوسط لدى الحاخام، أو بينه وبين الأطراف الأخرى. كذلك حال القيصر الذي سيكون مسروراً باستعادة بعض دور ونفوذ فقدهما منذ عقود في المنطقة.
وفي ما يتعلق بالسلطان، فقد أثبت نفسه رقماً صعباً في المنطقة التي يسعى إلى أن يكون جزءاً من نسيجها. وهو حتى هذه اللحظة يبدو الوسيط المعتمد بين دمشق وتل أبيب، كما هي حال القاهرة بين الأخيرة ورام الله وغزة.
بات واضحاً أن الحاخام يسرائل نتنياهو في مأزق، إن في علاقته مع العم سام تحت سقف التحالف غير القابل لانفراط عقده، أو في تأثيرات الحراك الأميركي على تركيبته الحكومية. عسى ألا يُختتم المشهد الثاني من المسرحية تلك بنجاة الحاخام على ظهر الفرعون والملك... وآية الله.
ألم يرَ نتنياهو أن أوباما يخوض معركة إسقاطه من السلطة!