قد يدخل شاب إلى قاعة امتحان من دون أن يدرك المراقبون أنه منتحل صفة، وأن إخراج القيد الذي يحمل صورته مزوّر. في هذا التحقيق لقاء مع «الكابتن» الذي جعل جريمة التزوير «مهنة له» بعدما رسب في امتحانات البكالوريا الرسمية
رضوان مرتضى
مئة إخراج قيد «مبلول» هي حصيلة عمل «الكابتن» خلال شهر حزيران الماضي بحسب أقواله، ما يعني أن مئة «أجير» أو «منتحل صفة» خاضوا الامتحانات الرسمية للشهادتين المتوسطة والثانوية، وحلوا مكان تلامذة غير جديرين، فضمنوا نجاحهم في الامتحانات. أما «الكابتن» فقد حمل 14 ألف دولار، هو «مصروف سنوي»، في انتظار «رزقة» السنة المقبلة.
«الكابتن» هو اللقب الذي يشتهر به «المُزوِّر» بين مريديه، الذين غالباً ما يكونون من الطلاب المتقدمين لإجراء الامتحانات الرسمية، والذين يكثر عددهم خلال شهري حزيران وتموز، موعد التقدم للامتحانات. يضاف إليهم طلاب جامعيون وآخرون يودّون الحصول على شهادة جامعية «ليسانس» للسفر بها إلى الخارج، ومن «زبائنه» أيضاً الراغبون بالحصول على جوازات سفر لأشخاص خارج لبنان دخلوا أراضي دولة أجنبية بطرق غير شرعية. وتمتد نشاطات المزوّر الذي يسكن قرب بيروت إلى نقل «أختام» من وإلى أوراق ومستندات عقارية بحسب أقواله.
المهن أسرار، و«الكابتن» لا يكشف كل أوراقه. يستقبلك بابتسامة وترحيب، يحكي عن تزوير الأختام وإخراجات القيد، لكنه يتوقف عن البوح عندما يُسأل عن تزوير أنواعٍ أخرى من المستندات.
البداية إذاً من الختم المزور، يقول الكابتن إنه يستعين بـ«ماكينة صناعة الأختام التي يبلغ سعرها 12 ألف دولار»، هذه الآلة هي أيضاً من «الأسرار»، إذ يرفض عرضها، ويرفض الكلام عن مكان تصديرها، لكنه يعرض شراء ماكينة جديدة لمن يرغب في ذلك، ويؤكد قائلاً «إنها كفيلة بتقليد أي ختم على هذه الكرة الأرضية... شو ما كانت جنسيته». ثم يلفت إلى أن عدة أشخاص في لبنان يملكون «هذه الآلة لأنها تُسهّل العمل (التزوير) كثيراً». يؤكد «الكابتن» إمكان الاستغناء عن الآلة إذا اقتصر التزوير على إخراج القيد فقط، وفي هذه الحالة يتّكل المزوّر على «قدراته الذاتية»، وهي بنظر الكابتن كالآتي:
«شويّة خفّة يد، وإذا تِقلت بتضطر تستعمل أوراق لاصقة جديدة مخططة بالأزرق»، هي من فئة الأوراق اللاصقة التي توضع فوق الصورة على إخراج القيد والتي يملك الكابتن العشرات منها. إلا أنه يرفض الحديث عن كيفية استحصاله عليها مكتفياً بالقول: «فيك تقول فاعل خير».
«أريد تزوير إخراج قيد، ماذا يجب عليّ أن أُحضِر؟» يسأل أحد الصحافيين المزوّر بهدف التأكد من صحة ادعاءاته، فيجيب الكابتن: «إخراج قيدك وصورة من يريد أن يؤدي دورك و200 ألف ليرة».
يومان هي المدة التي يحتاج إليها تزوير إخراج القيد حسب الكابتن، لكن الأخير يعود ليعترف قائلاً: «في الحقيقة تحتاج العملية إلى عشر دقائق فقط». «تسعيرة» التزوير شبه ثابتة، تتغير تبعاً للزبون والمنافسة في السوق. وفي هذا الإطار يذكر «الكابتن» أن منافساً أغرق السوق بإنتاجه، فانخفض سعر تزوير إخراج القيد إلى 50 ألف ليرة، لكن «الكابتن» يوضح أن «الأسعار قد عادت إلى مجاريها» بعد إلقاء القبض على المنافس الجديد «فقد افتضح أمره إثر دزّة من مجهول».
المزوّرون لا يتعاونون في ما بينهم، ولا يتقاسمون مناطق اشتغال كل منهم، لكنهم متفقون على «احترام» بعضهم، وعلى احترام «جدول أسعار» شبه موحد، منعاً للمنافسة أو «المضاربة في ما بيننا».

كيف يُزوَّر إخراج القيد؟

يعود الكابتن ليتحدث عن «القدرات الذاتية»، ويلفت إلى أسلوبين: «إما أن تُحاول إزالة الورقة اللاصقة عن إخراج القيد، تمهيداً لإخراج الصورة التي طُبع على أسفلها ختم المختار وتوقيعه، وإما أن تُمسك بالصورة وتسلخ خلفية الورقة التي تحتوي على الختم، ثم تلصق صورة منتحل الشخصية مكان صورة صاحب إخراج القيد».
«الكابتن» يكفل عمله قائلاً: «لم يسبق أن أُلقي القبض على أيٍّ من زبائني، فذلك يعود إلى الشغل النظيف ورضى الله والوالدين»، ويلفت إلى استحالة كشف المستندات المزوَّرة إذا أتقن المزوّر عمله، لكنّه يستدرك مفسراً بقوله إنّ «أساليب التزوير معدودة، وقد يكشف المزوّر المستندات الصادرة عن زملاء يتّبعون أسلوبه».
إذا لم يتمكن المزوّر من إزالة الورقة اللاصقة يضطر إلى استعانة بالتكنولوجيا لإعداد إخراج قيد جديد بكل تفاصيله، ما عدا الخلفية التي يكون قد انتزعها عن صورة صاحب إخراج القيد الأصلي، والتي تتضمن ختم السلطات المعنية وتوقيعها.
يعمل الكابتن مع ثلاثة «وسطاء»، تربطهم علاقات مميزة بطلبة جامعيين على استعداد للتقدم سنوياً إلى الامتحانات الرسمية مقابل 600 دولار لشهادة البروفيه، و1400 للبكالوريا. الوساطة ليست مجانية، فالوسيط يحصل على 20 دولاراً عن كل إخراج قيد يزوّر بواسطته، وقد تصل عمولته إلى 400 دولار إذا كان الهدف من عملية التزوير ضمان نجاح الزبون في شهادة رسمية أو جامعية.
يذكر الكابتن بداياته في «مهنة» التزوير. رسب في الدورة الأولى من امتحانات البكالوريا عام 1999، وكان يدرك أن فرص نجاحه في الدورة الثانية معدومة، فزوّر إخراج القيد الخاص به، وطلب من صديقه «الشاطر» أن ينتحل شخصيته، فأتمّ الأخير المهمة بنجاح. يقول الكابتن: «في السنة التي تلتها نصحت من رسب من أصدقائي بأن يحذوا حذوي»، وذلك بعدما أخبرهم أن صديقاً له يزوّر إخراجات قيد بأسعار معقولة «بل رخيصة جداً»، يشير في هذا الإطار إلى أنهم «كانوا أربعة، أخذت 160 دولاراً على العملية، وتلك كانت بداية المشوار».
أيقن «الكابتن» أن حظوظ نجاحه في مجال التزوير كبيرة، فتابع «مسيرته المهنية» الجنائية رغم الخطورة الأمنية، فهو كان يعاني من ضائقة مالية «لم يكن بإمكاني دفع أقساطي الجامعية». يروي الكابتن الذي تخطى عتبة الثلاثين عاماً أن «العمل في التزوير قلب حياتي إلى الأفضل، وقد تمكنت من توفير مصاريف الزواج». ويشير «الكابتن» إلى أنه يكمل اليوم الدراسات العليا في مجال الكومبيوتر في إحدى الجامعات الخاصة .


التكنولوجيا الرقمية أكثر أماناً

أدركت وزارة الداخلية أن تزوير إخراج قيد أمر ممكن، لهذا السبب ـــــ ولأسباب أخرى متعددة ـــــ اعتُمدت بطاقات الهوية الجديدة، فهذه يصعب تزويرها.
تصنيع أو إصدار بطاقات الهوية، ودفاتر جواز السفر الجديدة، يعتمد على التقنية الرقمية، أي إن البطاقة نفسها تتضمن ذاكرة تكنولوجية تختزن جميع البيانات الخاصة بصاحبها. إلا أن هذا لا يعني نهاية عهد مزوِّري إخراج القيد، فعدد من المواطنين اللبنانيين لم يحصلوا بعد على بطاقات الهوية أو تخلفوا عن تقديم طلبات جديدة للحصول عليها، وما زال إخراج القيد معتمَداً وسيلةً تعرِّف بحامله.
من جهة ثانية، يجدر التذكير بأن المزوِّرين يحتاجون إلى الأوراق الزرقاء لإتمام عملية تزوير إخراج القيد، ويلفت مأمور النفوس في قرية بقاعية إلى أنه يمكن الحصول على الأوراق الزرقاء هذه من وزارة الداخلية فقط، لكنهم يؤكدون أنّ بإمكان أيٍّ كان تقليدها.
مأمور النفوس قال إن لبنان «كان يستورد أوراق إخراج القيد في ما مضى من فرنسا، بمواصفات معيّنة، أما اليوم فهي تصنّع في لبنان».