وائل عبد الفتاح


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

«نضغط على الفلسطينيين والدول العربية». هذا ما قاله باراك أوباما لرؤساء منظمات يهودية أميركية احتجّت على «الضغوط الأميركية من جانب واحد» على إسرائيل. و«يمكنني أن أؤكد لكم أنه ضغط هائل» تابع أوباما (بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت») واصفاً ما يفعله مع الجانب العربي (الفلسطيني). أي ضغط؟ هل لدى الفلسطينيين والعرب ما يقدمونه في المفاوضات؟ لديهم في الغالب ورقة واحدة هي الاعتراف والتطبيع. هي ورقة ضعيفة بالنسبة إلى الإسرائيليين الذين اختبروا من العلاقة مع مصر ثم مع منظمة التحرير الفلسطينية، أن «التطبيع طريق مسدود بألف حاجز وفخاخ متعددة». الورقة الأقوى بالطبع هي توقيف الكفاح المسلّح... والقبول بشروط إسرائيل بما فيها: نسيان القدس وإغلاق ملف عودة اللاجئين.
هي ورقة لا يقدر أحد على تقديمها الآن من العالم العربي أو الفلسطيني. الفرصة الأخيرة كانت مع ياسر عرفات الذي تراجع عن التوقيع على «كامب ديفيد 2».
ليس هناك زعامة تاريخية في الطرف الفلسطيني قادرة على تقديم الورقة التي تريدها إسرائيل، وهذا ما يُريح إسرائيل جزئياً. ستظل تضع الحد الأعلى من الشروط، وتعدّ كل ما تناله أدنى من مستوى توقعاتها.
أوباما لمّح (فقط لمّح) إلى أن الخلاف مع إسرائيل بشأن المستوطنات يضيق... وأن باراك وميتشل سيصلان إلى اتفاق قريب وستتغاضى تل أبيب عن رغبتها في «نمو طبيعي» للمستوطنات التي «لا يحقق الاستمرار في توسعها مصلحة للولايات المتحدة ولا لإسرائيل».
وراء الحوارات (إلى جانب الرغبة في تهدئة إسرائيل بعد صدمة أوباما الأولى)، هناك صورة واضحة عن إسرائيل التي يحارب جيشها من أجلها أو يجلس المفاوض على الطاولة من أجلها أيضاً.
هناك «مشروع» متجدد تدور حوله ألعاب إسرائيل، بينما هناك غمامة ثقيلة على صورة فلسطين. هل هي غزة التي أقامت «حماس» أسوارها العالية ومنعت الاقتراب منها؟ أم رام الله التي أصبحت مرتعاً لموظفي القضية؟ أم هي ماراثونات المصالحة التي لا تجري بين الفصائل. فلسطين 48؟ أم 67؟ الهزيمة الأولى أم الثانية؟
فلسطين الفكرة أو الأيقونة أو الفردوس الذي تحلم به الأجيال في العالم العربي منذ النكبة وحتى المذبحة الأخيرة في غزة؟
أين فلسطين؟ ما هو المشروع أو الصورة التي تواجه الصورة والمشروع الإسرائيلي؟
الحكماء العرب يريدون مفاوضات (حتى لو لم تنته إلى شيء) والمهووسون العرب يريدون حرباً أبدية خالدة لا تتوقف إلا بنهاية العالم (دينياً أو قومياً). هل الصورة النهائية هي «إلقاء إسرائيل في البحر» كما يصر أحمدي نجاد؟ أم أن كل الأمل والمنى هو «دولة» من دون سيادة على شريط صغير؟
الصورة غائمة والمشاريع تتضارب على نحو عنيف، والأوراق تطير حتى قبل أن تختلط.
التنظيمات في أزمة وجودية (حماس لا تقدر على الحركة بعيداً عن غزة، وفي غزة موتها المحتمل، ولا حل أمامها إلا الخروج إلى أفق جديد وإحداث نقلة جذرية).
الأنظمة الكبرى على خط المواجهة في مراحل انتقالية (القاهرة تنتظر حسم قضية خلافة الرئيس مبارك، ودمشق تراوح قبل قفزتها الكبيرة من عالم الصمود والتصدي إلى عالم آخر لا تزال ملامحه غامضة).
الأزمات الداخلية في الأنظمة والتنظيمات علّقت المصائر عند حالة ترقب عنيفة التقت مع ترقب آخر على صعيد المواجهة مع إسرائيل (اللاحرب واللاسلم)، لتزداد الغيوم في صورة فلسطين ومشروع حل قضيتها.
النيّات الإسرائيلية معلنة، متوترة، تفكّر في الحرب المقبلة وتحاول خلق «صورتها» من جديد قبل الانتقال إلى الحرب أو السلم. تعتمد إسرائيل على أن حكومتها متطرفة. ليبرمان يتشكك في شرعية أبو مازن، ويدخل في معركة مع سولانا بشأن «الدولة الفلسطينية»، ونتنياهو أكثر جنوناً يسير إلى آخر المطاف وينفّذ مشروع «تهويد» الدولة على الأرض بمحو الأسماء العربية.
إسرائيل متوترة، تداري فزعها من الحديث عن تسوية، وتغطي على شقوقها الداخلية بتصدير أقصى طاقة توتر بعيداً عنها. في النهاية، توسّع مجال حركتها رغم ازدياد عناصر حصارها بعد كبواتها الحربية في السنوات الأخيرة.
هكذا تحاول إسرائيل تفادي النقد العنيف لشراستها في ضرب لبنان وغزة (وصل النقد إلى حدّ الحظر الجزئي في بريطانيا على تصدير أسلحة معيّنة لإسرائيل). وتحاول إسرائيل أيضاً استيعاب صدمة الأيام الأولى لأوباما في البيت الأبيض. تلعب بكل خيوطها. توقظ خرائطها النائمة وتعيد تأكيد «صورة» إسرائيل وحدودها الواقعية والمتخيلة في الوقت نفسه.
تستجيب جزئياً (ونظرياً) لخريطة مندوب أوباما في الانسحاب من الجولان، لكنها في الوقت نفسه تخطّط لكي «لا تترك الأسد يغسل قدميه في بحيرة طبريا».
أوباما يفكر في زيارة إسرائيل قريباً ليحمل دعوته إلى سلام جديد. سيرى هناك صورة إسرائيل كما رسمها المتطرف والمعتدل.
أي فلسطين ستكون في مواجهة «الصورة الإسرائيلية»؟