كامل جابرأنهت صباح منصور (35 عاماً) من بلدة قبريخا في أقل من ست دقائق شك ثلاثة «ميابر» (جمع ميبر وهو شيش شك التبغ) كانت كفيلة بفوزها بليرة ذهبية، ضمن مسابقة متنقلة بين بلدات الجنوب في شك التبغ، تحوّلت بشكلها وجوائزها إلى ما يشبه العيد السنوي.
من الصوانة إلى كفرصير فقبريخا ثم نحو بنت جبيل، وصولاً إلى 17 محطة مقررة هذا العام، تتنافس مئات المزارعات الجنوبيات في مسابقة شك التبغ التي تتولى إقامتها إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي)، بالتعاون مع نقابة مزارعي التبغ والتنباك وعدد من بلديات الجنوب، بغية تسليط الضوﺀ على دور المرأة الريفية العاملة وتحسين جودة الزراعة.
تبدأ أي مسابقة بتجميع كمية من أوراق التبغ المتفاوتة الأحجام، في إحدى ساحات القرى أو مقار بلدياتها أو مدارسها، وتلتف حولها مزارعات تتراوح أعمارهن بين 20 عاماً و50 عاماً. وبعد إطلاق إشارة البدء من إحدى المرجعيات الراعية، يبدأ التنافس المحموم بين أياد رشيقة تعوّدت سرعة جمع الأوراق وترتيبها ومن ثم إدخال الميبر (مفرد ميابر)، في غصنها الوسطي العريض، وجعلها متراصة مكتنزة، وسط حشود الأهالي وبعض المزارعين، وخصوصاً من الرجال، ممن يقومون بدور المراقبين والمشجعين على حد سواء. وتعلن المنتهية الأولى بصوت عال إتمام مهمتها، فتتبعها الثانية أو أكثر. وللاستفادة من التبغ «المشكوك»، تفرغ محتويات الميابر في خيطان لنشرها على «سيب» تحت أشعة الشمس.
تعلّمت صباح منصور زراعة التبغ في منزل ذويها في قبريخا مذ كانت طفلة، وهي اليوم تتشارك وشقيقتها زهرة في زراعة خمسة دونمات من التبغ في حقل ورثتاه عن والدهما، يعدّ مصدراً «مقبولاً وثابتاً ( لهما)، برغم السعر المحدد منذ سنوات للكيلوغرام الواحد من التبغ». ولم تكن مشاركتها في مسابقة شك التبغ هي الأولى، فقد شاركت سابقاً في مسابقة مماثلة في منطقة النبطية وفازت بمرشّة.
وبين الليرات الذهبية ومرشّات الحقول (للمبيدات)، دخلت هذا العام جائزة لها مغزى وفائدة في حياة مزارع التبغ، وهي آلة مصنّعة لشك التبغ (مشكة)، يمكن أن توفر جهد ست ساعات من الشك في ساعة واحدة، و«نتصل بالشركات المصنّعة للتبغ من أجل منحها للمزارعين، حفاظاً على جودة المواسم، وأهم من ذلك، للحد من عمالة الأطفال، الذين يُشغّلون عنوة في شك التبغ مع ذويهم صيفاً ويحرمون من اللعب مقابل قطع من الحلوى أو مرطبات ومثلجات»، بحسب رئيس اتحاد نقابات مزارعي التبغ والتنباك في لبنان حسن فقيه، الذي أوضح أن الغاية من هذه المسابقات «هي خلق حوافز لدى المزارعين للاهتمام بهذه الزراعة والحفاظ على جودتها، نظراً إلى ما تمثّله من دخل ثابت للمزارع، مع العلم بأن الدولة مقصّرة بحقه، فهي لم تسع إلى إدخاله وعائلته في الضمان الصحي والاجتماعي تحقيقاً للمطلب المزمن للنقابة، وكذلك إلى زيادة سعر الكليوغرام الوسطي عن 11500 ليرة منذ أكثر من 13 عاماً، بالرغم من تفاقم غلاء المعيشة».
ويشير فقيه إلى أن الدولة لم تعوّض حتى اليوم مزارعي التبغ خسائرهم في مواسمهم التي أتلفها عدوان تموز 2006 بالرغم من مرور ثلاث سنوات. «لذلك نحاول من خلال هذه المسابقات، التي باتت تشبه العيد في البلدات والقرى أن نوجد جواً تنافسياً وتواصلاً اجتماعياً وإنسانياً، مع العلم بأن اليد التي تزرع وتشك هي أغلى بكثير من أي جائزة، وهي التي توقد شعلة الصمود والمقاومة في قرانا».


«الميبر» وحدة القياس

شاركت في مسابقة كفرصير 17 سيدة، وتمكّنت من بينهن غالية عبد الله (50 عاماً) من شكّ خمسة ميابر في أقل من ست دقائق، ووقفت لترفع الميابر فوق رأسها وتزغرد مبتهجة بفوزها، ثم تبعتها زينب خليل وفاطمة سلمان، وغيرهما حتى ست فائزات. وقامت اللجنة المؤلفة من نائب رئيس الاتحاد العمالي العام رئيس الاتحاد حسن فقيه ورئيس البلدية وحيد سبيتي والمدير العام لإدارة حصر التبغ والتنباك ناصيف سقلاوي ممثّلاً بسمير سبيتي بتوزيع ليرات ذهبية على الفائزات. وأثنى النائب ياسين جابر، الذي تابع تنافس المزارعات في ساحة بلدة كفرصير، على المسابقة، وقال إن «زراعة التبغ كانت عنصراً من عناصر صمود الأهالي، ومن المفيد جداً أن تقام مسابقات على هذه الشاكلة، لأنها تفعّل التواصل الاجتماعي وتعطي حوافز للسيدات العاملات في التبغ».