أسعد ذبيانوصلت الدورية قرابة العاشرة، فسارع (عيسى) يطلب من «زبائنه» أن ينحّوا النارجيلة جانباً كي لا تقع أعين الشرطة عليها. وما إن ترجّل أحد أصحاب البدلات المرقّطة من الجيب الحديث الطراز، واتجه نحو الكورنيش، حتّى كانت أصوات قرقعة المياه في الزجاجات قد توقفت.
عندها، نظر أحد الزبائن إلى آخر بقربه وسأله: «من متى الأركيلة ممنوعة دخلك؟». فأتاه الجواب سريعاً: «ربّما لأنّه يوم الأحد، ومخصّص للعائلات»، ما استدعى تدخّل زبون ثالث في بورصة التكهنات، شارحاً أنها ممنوعة بالإجمال، لكن بعد الـ11، تصبح أمراً عادياً لأنّ «القانون بينام بكير».
صافح الشرطي أحد السهّيرة بحرارة، ذلك أنّ الكرّ والفر بين الاثنين قديم العهد: ففي كل ليلة، يحاول مصطفى أن يحصّل لقمة العيش من خلال تأجير نارجيلة وكرسي بلاستيكي للمارة بخمسة آلاف ليرة، بينما يحاول الشرطي أن يضبط أحدهم متلبساً، ليصادر «الحرز»، أي النارجيلة والكرسي ويغرّمه. هي علاقة مطاردة ليليّة خلقت بينهما صداقة من نوع غريب وعبثي، سأل الشرطي بموجبها مصطفى كيف استطاع أن يخفي «الأراكيل» بهذه السرعة؟ فرد عليه: «ولو... صار عنّا خبرة».
إلا أن الشرطي لمح إحدى النراجيل بين قدمي أحد الشباب، فأشار إليها: «وهيدي شو؟»، ليردف الزبون سريع البديهة مطمئناً: «هيدي مزهريّة...» فضحك الجميع، بينما ردّ الشرطي، «إذاً ناولني إياها، تنقصني واحدة في المكتب».
تدخّل (رائد) الجالس على حافة «الدرابزين»: «يعني مسموح الواحد يسكر ويحشش بس ممنوع يأركل؟». عندها، اقترب ممثل السلطة منه، ليشرح له بأعصاب هادئة أنّ لكل دورية اختصاصها وهو مسؤول فقط عن النراجيل.
ابتسم (سامر) وسأل: «يعني إذا دوريتك مختصة بالمشروب، وشفتني عم إسرق ما بتتدخّل؟»، لكنّه لم يحصل على جواب، إذ كان الشرطي قد عاد إلى سيارته ذات المصابيح الزرقاء والحمراء، في مشهد يقرّب بين جريمة «الأركلة» على كورنيش عين المريسة، وإحدى جرائم القتل في أحياء نيويورك، ما دامت سيارة «الشارجر» نفسها تطارد المتّهمين بالأركلة في لبنان والعابثين بالأمن في الولايات المتحدة.
فعاد عيسى، ابن الثانية عشرة، ليوزّع النراجيل التي كان قد سحبها من أفواه الزبائن بعدما مرّ «القطوع»، وتوجّه إلى خلف السيارة ليشعل الفحم، قبل أن يأتيه صوت آخر ينادي عليه «نارة يا ولد».