وعاد الطفّار. هذه المرّة ليس من نافذة أمنية، بل من فضاء موسيقى الراب والهيب هوب. «الطفّار» هي صوت المهمّشين، الواقعين خارج اهتمام الدولة
هاني نعيم
هم «طفّار» على طريقتهم. انطلقت فرقتهم من مناطق الحرمان، من سهل البقاع، وصولاً إلى بيروت، وتحديداً حي الرويسات في منطقة الفنار. تجمع مؤسّسي الفرقة الموسيقية، جعفر (24 سنة) وناصر دين (22 سنة)، اللذين يعرّفان عن نفسيهما باسميهما الأولين فقط، سنوات طويلة من الصداقة والعيش معاً. فهما تشاركا الطفولة والدراسة بكل مراحلها، كما توحّدهما اللهجة البعلبكية الحادة، ومعاناة الحي الذي يقطنون فيه (الرويسات).
بعد إنهائهما الدراسة الثانوية، تقدم الشابان إلى امتحان دخول كلية العلوم الاقتصادية في الجامعة اللبنانية. نجح ناصر دين وهو الآن يكمل دراساته العليا في الاقتصاد، أما جعفر فدخل كلية الحقوق، ولكنّه لم ينه دراسته فيها، لينتهي به الأمر دارساً للّغة الألمانية في معهد غوته في بيروت.
وإن كان الشابان يتشاركان تفاصيل الحياة، ومفاصلها، فارتباطهما بالموسيقى هو مسألة أخرى، بدأت منذ 7 سنوات تقريباً، حين كان لكل منهما نمط موسيقي يجذبه. كان ناصر دين قد بدأ بالتعرّف إلى الراب، يستمع إلى آخر الإصدارات منه ويجمع أرشيفه الخاص، فيما كان جعفر يسمع ويجمع أرشيف فرقة الروك «SYSTEM Of A Down».
بعد مرور 3 سنوات، بدأ ناصر دين بكتابة أغاني راب، وبتسجيلها، بشكل بدائي على حاسوبه الخاص، مستعيناً بموسيقى أخرى. «كنت أحفظ يومياتي عبر الراب. وفي الوقت عينه، كنت أطوّر مهاراتي»، يقول.
في هذه الأثناء، تعرّف الثنائي على عبد الجبار، أحد أعضاء فرقة الراب الفلسطينية «كتيبة 5». «من خلاله، تعرّفنا على Underground الراب العالمي، الذي يهدف إلى إيصال فكرته بعيداً عن الأرباح الماديّة»، يردد الشابان.
«بعدما فشل مشروعي لأكون صحافياً، قررت كتابة أغاني الراب، وهكذا بدأ عملنا المشترك أنا وناصر دين» يقول جعفر. هكذا، تطور عملهما، ليؤسسا فرقة «الطفّار» التي تنقل معاناة المهمشين، «التي هي معاناتنا»، على حد تعبير ناصر دين.
وقبل أسبوع من عيد الموسيقى، خلال الشهر الماضي، سجلت الفرقة أوّل أغنية لها، وهي «مدينة الشهدا» (أي مدينة الهرمل)، وأداها الموسيقيان في حديقة سمير قصير، حيث كان أول لقاء لهما مع الجمهور الذي لاقى أعمالهما بإيجابية، ما شجّع الفرقة على البدء بتسجيل باقي الأغاني التي لديها، لتتحضر اليوم لإطلاق ألبومها الأول خلال ثلاثة أشهر كحد أقصى، في حفلات تتوزّع ما بين بيروت وضاحيتها الشماليّة والبقاع.
تختصر «مدينة الشهدا» عدداً من القضايا على صعيد علاقة الدولة والجيش مع البقاع وسكانه: «...ثورة جياع مستضعفين بوجه الدولة... حرمتنا منعتنا نزرع لنحصد... حواجز عسكريّة نقاط تفتيش، مراكز فاضيي ما فيها جيش... كم بقاعي بخط النار... منموت بعيون مفتوحة منتظرة وطن». إلى جانب ذلك تزخر الأغنية بعبارات أخرى تحضّ البقاعي على الافتخار ببقاعيّته، والتغنّي بالكرم والنخوة اللتين تشتهر بهما منطقته. تؤدي الفرقة الأغنية، إضافة إلى إيقاع الراب، على خلفية موسيقية للحن بعلبكي، «هو راب يعبّر عن حقيقتنا، يشبهنا»، كما يوضح جعفر.
«نحن لا نرفض الدولة»، يقول ناصر دين، مضيفاً: «الدولة غير موجودة بالأساس، فكيف نرفضها؟». يتدخّل جعفر موضحاً «الدولة عنّا، أيّ في بعلبك، هي بضعة عناصر من العسكر وجباة ضرائب». ويستطرد الشاب في حسرة «البقاع عائم على المياه، ومزارعوه يعيشون في شحّ المياه». تسألهم عن «بدعة الزراعة البديلة»، كما يسمونها، فيتضح أنّها أكثر ما يثير سخطهم وسخريتهم. «تحوّل المزارعون إلى زراعة الورد. ماذا ستعطيهم الورود؟» يقول ناصر دين. ويضيف جعفر «بعد منع زراعة الحشيشة، بدأت حبوب الهلوسة تغزو البلاد بكميّات هائلة، والأكيد أن أبناء البقاع ليسوا هم من يستوردها».