كان متوقَّعاً أن لا يمرّ الحكم القضائي بحق سيدة لبنانية متزوجة بأجنبي منح جنسيتها لأطفالها مرور الكرام، لكن ما لم يكن متوقعاً أن تكون النيابة العامة الاستئنافية هي من يعترض عليه، من دون تعليل، بعدما كانت قد تركت أمر التقدير للمحكمة
مهى زراقط
لم يمرّ شهر بعد على صدور الحكم القضائي الذي يُعطي سيدة لبنانية متزوجة برجل أجنبي متوفى حق منح جنسيتها لأطفالها القاصرين (راجع «الأخبار» 17 حزيران 2009)، حتى بادرت النيابة العامة في جبل لبنان إلى استئنافه، من دون تعليل. تحرّك يأتي من خارج كل الاحتمالات التي وضعها المعنيون بالملف، من حقوقيين أو ناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة خصوصاً، لأن الجهة التي قررت الاستئناف، هي التي كان الجميع يعتقد أنها فقدت حقها في ذلك. فالنيابة العامة الاستئنافية كانت قد تركت «أمر التقدير للمحكمة» كما جاء حرفياً في نص الحكم الصادر عن محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان. لكنها في قرارها الاستئناف، الذي قامت به قبل ثلاثة أيام، لم تنتظر تبلّغ الحكم رسمياً، بل عمدت إلى الاستئناف بعدما علمت به بالتواتر.
هذا ما أكدته المحامية سهى إسماعيل، حين قالت إنها تنوي تبليغ الحكم اليوم. إسماعيل، وكيلة المدّعية سميرة سويدان، لا تخفي مفاجأتها بحصول الاستئناف من طرف النيابة العامة لا من هيئة القضايا، كما كان يتوقع الجميع، وهي منهم. ورغم الاجتهادات القائلة بأن هيئة القضايا لا يمكنها التحرك من دون طلب وزير الداخلية زياد بارود الذي أعلن بوضوح أنه لن يستأنف (راجع الإطار)، إلا أنها بقيت متخوفة من حصول الاستئناف. لكنها لا تنظر إلى القرار بسلبية، بل توضح قائلة: «يحق للنيابة العامة الاستئناف خلال ستة أشهر من صدور الحكم، لذلك أنا سعيدة لأنها عاجلت بالاستئناف بعد مرور شهر واحد، فهذا يوفّر علينا الوقت»، متوقعة أن يصبح الحكم مبرماً ونهائياً «مع نهاية العام الجاري». تقول عبارتها هذه بثقة مردّها إلى أن «الاستئناف سيردّ شكلاً».
هذا ما يتفق عليه أكثر من مرجع قانوني سألتهم «الأخبار»، من دون الاتفاق عمّا إذا كان يحق للنيابة العامة العودة عن قرارها ترك الأمر للمحكمة أو لا، ومن دون أن يغيب السؤال عن خلفية هذا القرار، السياسية غالباً، وخصوصاً مع تصاعد أصوات احتجاجية مطالبة باستئناف الحكم الذي وصفه النائب فؤاد السعد بغير القانوني.
تعترف المحامية ماري روز زلزل بأنها لم تكن تعتقد أنه يحق للنيابة الاستئناف بمجرد ترك تقدير الأمر للمحكمة. لكنها ترى في المقابل أن ترك التقدير للمحكمة لا يعني أنها تنازلت عن حقها على النحو المطلوب، كذلك لا يعني أنه يجوز لصاحب الحق أن يتعسف في استعماله.
بدوره يرى المحامي نزار صاغية في الاستئناف محاولة عرقلة لتنفيذ الحكم. يقول: «ليس كلّ من يستأنف راغباً في ربح الدعوى أو تغيير الحكم. هناك من قد يرغب بالمماطلة لمنع التنفيذ. نخشى أن يستغرق الاستئناف والتمييز وقتاً قد يطول لسنوات، قد يكون خلالها قد عدّل القانون».
لا تستبعد إسماعيل الخلفية السياسية التي تقف خلف هذا القرار، إلا أنها تفترض الأفضل: «ربما كان الاستئناف قد حصل لمجرد القول إننا لسنا مكتوفي الأيديي». هي لن تحكم على الأمر إلا بعد أن تلمس طريقة التعامل مع الملف. من خلال خبرتها تعرف أن الدولة لم تؤدِّ يوماً دوراً مماطلاً «لذلك إذا ماطل محامو الدولة يمكننا القول إنه تدخل علني وواضح في عمل القضاء».
في هذا الوقت، تنتظر سميرة سويدان القرار النهائي. هي تبلّغت قرار الاستئناف، لكنها لم تجرؤ على نقل مخاوفها لأطفالها، «لا أريدهم أن يفقدوا الأمل مجدداً. لقد قالت لي الأستاذة توكلي على الله، وهذا ما أفعله».
من جهتها لم تُفاجأ منسقة حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» لينا أبو حبيب بقرار الاستئناف «فنحن لم نكن نتوقع منهم أكثر من ذلك. لم يخذلونا مجدداً. بالنسبة إلينا يدلّ هذا القرار مجدداً على عدم احترام حقوق النساء وعدم جدية في معالجة هذا الموضوع الإنساني، وهذا بغض النظر عما إذا كان هذا الاستئناف قانونياً. لا يسعنا إلا أن نأسف لأن القيمين على القرار لم يبادروا إلى احتضان القرار والانطلاق منه في خطوة أولى لتغيير هذا القانون».


بارود: لست مع الاستئناف

فوجئ وزير الداخلية زياد بارود عندما عرف أن النيابة العامة قررت استئناف الحكم، لأنه ـــــ كما كثيرون غيره من متابعي الملف ـــــ لم يكن ينتظر الاستئناف منها. وفي اتصال مع «الأخبار» لم يتردد في القول إنه كان يتمنى لو بادرت النيابات العامة إلى استئناف أحكام أخرى. بارود الذي يعترف بوجود شقين للموضوع: قانوني وسياسي، يرى أن النيابة العامة في قرارها السابق تركت تقدير الأمر للمحكمة، ولم يعد بمقدورها الاستئناف، ومن وغير المناسب أن تفعل، وخصوصاً أنها لم تغيّر رأيها قبل صدور الحكم، ويعلن أنه سينتظر سير الدعوى قضائياً من دون أن يستبعد ردّ الاستئناف شكلاً.
بارود الذي كان قد رفض استئناف الحكم، بصفته وزيراً للداخلية، عاد وأكد موقفه قائلاً إنه «لا يمكن من يعدّ مشروع قانون يطالب فيه بتعديل قانون الجنسية أن يعترض على حكم قضائي يعطي حقاً لأصحابه... حتى إذا كان الحكم غير قانوني، فمن يقرر قانونيته ليس وزير الداخلية». وفي قراءة سياسية للقرار يرى أن الهدف منه قد يكون منع تكرار صدور أحكام مماثلة.