في 13 تموز الجاري بات يحق لكلّ سيدة لبنانية أن تحصل على بيان سجل عدلي يتعامل معها بصيغة المؤنث. قرار للداخلية خلفيته قضائيةفي 19 حزيران الفائت، وجّه وزير الداخلية زياد بارود كتاباً إلى قوى الأمن الداخلي يطلب فيه العمل على الخروج من التعميم المتعلق بالشخص، إلى التخصيص بحسب جنسه، في مختلف القيود العائدة للسجل العدلي. وفي 13 من الجاري بدأ العمل بهذا الكتاب وباشرت مكاتب السجل العدلي إصدار نموذجين للسجل العدلي بصيغتَي المذكر والمؤنث.
هذا القرار الذي يعدّ إنجازاً حقيقياً للنساء في لبنان، يقف خلفه رئيس محكمة البداية في جديدة المتن القاضي جون قزي، وذلك على خلفية قرار أصدره في قضية وصاية أُمّ على ابنتها القاصر.
المحامية كارول منصور تروي القصة منذ بدايتها. منصور هي وكيلة السيدة منى سعادة، لبنانية مقيمة في الولايات المتحدة الأميركية. توفي زوجها، اللبناني أيضاً، وبات عليها الحصول على ورقة تفيد بأنها قيّمة على أموال ابنتها القاصر، فتولت مسؤولية هذه القضية.
بداية، توجهت إلى المحكمة الروحية الابتدائية الأرثوذكسية في جبل لبنان، التي أصدرت حكماً ردّت فيه الاستدعاء، مشيرة إلى أنه يخرج عن صلاحيات القضاء الروحي، لأنه لم يكن المرجع لعقد الزواج، فالزوجان كانا قد أجريا عقد زواج مدني في أميركا، «كأنّ من يتزوج مدنياً يخرج من طائفته» تعلّق منصور مستغربة. رغم ذلك توجهت إلى القضاء المدني، وتحديداً إلى الغرفة الناظرة في الأحوال الشخصية في المحكمة الابتدائية في المتن، وبدأت جمع المستندات المطلوبة، وكان من بينها بيان سجل عدلي.
جمعت منصور المستندات، وقدّمت الطلب إلى المحكمة التي يرأسها القاضي جون قزي، ففوجئت به يطلب تصحيح بعض بيانات السجل العدلي لجعلها مؤنثة. «بداية استغربت قراره، لأن الفكرة لم تخطر يوماً في بالي، لكني عدت فاقتنعت، وخصوصاً أن موكلتي لم تكن على عجلة في بتّ الدعوى، وأعطتني ضوءاً أخضر».
هكذا حملت منصور قرار قزي شخصياً إلى قلم تصحيح البيانات في دائرة السجل العدلي لتغيير ثلاثة أمور: مولودة بدل مولود، الجنسية لبنانية، لا لبناني، لا حكم عليها بدل لا حكم عليه. وكان تعليل القرار وافياً، مع إشارات لا تخلو من ثقافة وإنسانية، سواء لجهة ارتضاء السيدات «تبعاً لحرصهن على تسريع الإجراءات وعدم التأخير وعدم العرقلة، وعدم أن يعرّف عنهن على نحو خاطئ»، أو ترنّح «قواعد اللغة العربية».
فكان الردّ بالعودة إلى المادة الأولى من المرسوم 4385/72 التي تنص على أن «السجل العدلي وثيقة تثبت وجود أو عدم وجود أحكام جزائية... بحق شخص ما»، أي إن جميع البيانات الواردة في السجل العدلي تخص هذا الشخص بغض النظر عن كونه ذكراً أو أنثى، ما يعني أن المستدعية هي شخص مولود في (...)، وهي شخص لا حكم عليه... أما في ما يتعلق بكلمة لبنانية فقد عُدّلت بردّها إلى كلمة الجنسية التي تسبقها.
لكن القاضي قزي لم يقتنع، وأعاد إصدار قراره معللاً بالقول: «إن العودة إلى عبارة «بحق شخص ما» يفقد سنده الواقعي كما القانوني عندما يتحدد الشخص المعني تخصيصاً بحيث يجب إذ ذاك التعامل مع البيانات على أنها تختص بهذا الرجل أو بتلك المرأة»، مؤكداً قراره السابق. فجاء الرد من قيادة الشرطة القضائية في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، ليقول بوجود صعوبات تحول دون تنفيذ القرار «قد تجرّ لارتكاب مخالفات عملية لجهة وجود أسماء تصلح للذكر والأنثى... وقانونية تتناقض مع أحكام التعليمات والمرسوم حيث يحتاج ذلك إلى تعديل في النص». واقترح قائد الشرطة القضائية «عدم إجراء أي تعديل على البرنامج يتعلق بعبارتي (مولودة) و(لا حكم عليها)، والاكتفاء بالتعديل الذي نُفِّذ في ما يتعلق بالجنسية.
قزي أثار هذا الأمر خلال محاضرة في نقابة المحامين (راجع الأخبار 18 حزيران 2009)، ثم في زيارة قام بها إلى وزير الداخلية زياد بارود الذي بادر إلى توجيه كتاب يطلب فيه القيام بالتعديلات المذكورة أعلاه.
م. ز.