فاتن الحاج«باعونا مثل الدجاج بعدما ركّبوا علينا فيلماً ملعوباً». هكذا يبدأ أحد المعلمين المصروفين من إحدى الثانويات الخاصة رواية صرف نحو 150 معلماً خدموا الثانوية لسنوات. ويشرح الأستاذ الذي رفض البوح باسمه، على هامش المؤتمر الصحافي الذي عقد في نقابة المعلمين أمس، أنّ ملكية الثانوية انتقلت إلى مالك جديد أراد أن يحتفظ باسم المدرسة ومبناها، متملّصاً من أي علاقة بالأساتذة، أو بتعبير آخر «بدّو يتسلّم المدرسة على نظافة بلا تعويضات». وبدا لافتاً في الرواية أنّ معظم المعلمين وقّعوا الاستقالة لعدم معرفتهم بإمكان استحصال حقوقهم عبر القضاء، كما يقول. وهنا يحمّل المعلم المصروف نقابة المعلمين مسؤولية عدم تعزيز الوعي لديهم، وإن كان شخصياً لم يقدم استقالته. ورغم ذلك، يبدو متشائماً من النتيجة إذ قال: «100 محامٍ ما بيحلّولنا القضية». والمفارقة أنّ نحو نصف المصروفين وقّعوا على عقود جديدة برواتب منخفضة، كأنّهم يبدأون حياتهم المهنية الآن، مستغنين بذلك عن الأقدمية.
وفي رواية أخرى لا تقل خطورة، تسلّم 10 معلمين كتب صرف من إحدى مدارس الإرساليات، ثم أرسل الكاهن، رئيس المدرسة، بعد يوم واحد، كتب اعتذار لـ8 مصروفين أعادهم بموجبها إلى المدرسة، على خلفية أنّ أسماءهم وردت سهواً. وتالياً، أبقى على مصروفتين اثنتين. ولمّا لم يكن مذكوراً في الكتاب سبب الصرف، سألت إحدى المعلمتين عن الحجة التي تنهي 15 سنة من التعليم، فكان الجواب أنّها تدخّن! عندها قررت تقديم شكوى إلى المرجعية الدينية الأعلى، وكانت النتيجة أنّ عرض عليها رئيس المدرسة العودة مقابل أن تصوغ كتاباً تقول فيه إنّ كل ما ورد في الشكوى كان كذباً وافتراءً». رفضت المعلمة العرض وقررت المتابعة عبر القضاء.
إذا كان الصرف لم يوفّر المعلمين في المدارس الكبيرة، فالعتب مرفوع عن المدارس الجديدة، كتلك التي افتُتِحت العام الماضي ومنّت مديرتها المعلمين برواتب مغرية. لكن لم يطل الوقت ليكتشف هؤلاء أنّهم أكلوا الضرب، وأنّ المدرسة أنشئت لأهداف تجارية بحتة. وقد فوجئت إحدى المعلمات بأنّ عليها تغطية 29 ساعة في الأسبوع مقابل 500 ألف ليرة لبنانية، بدلاً من 1000 دولار وعدت بها لدى دخولها المدرسة. ولم تكتفِ المديرة بذلك، بل وجّهت إلى المدرِّسة وسبعة آخرين من زملائها كتاب صرف في نهاية السنة من دون سابق إنذار. وأكثر من ذلك، «كانت تقتطع 12% بدلاً من 6% من راتب شقيقتي بحجّة أنّها مساهمة لصندوق التعويضات، ثم تدفع للصندوق لاسم ثانٍ!».
المعلمون المصروفون من المدارس الخاصة ناقشوا أمس قضاياهم مع مقر نقابتهم. وقد أعلن النقيب نعمة محفوض الاستعداد لمعالجة بعض حالات الصرف حبّياً، إما بعودة المؤسسات عن قرار الصرف أو بإعطاء المعلم المصروف حقوقه في الأساس والإضافي. أما الوجه الثاني للمتابعة فهو مقاضاة بعض المؤسسات التي كانت تقتطع الحسومات من رواتب المعلمين دون تسديدها لصندوق التعويضات، وهو ما عدّه النقيب «سرقة موصوفة». وحذّر من أنّ عدم الاتفاق خلال أسبوعين «سيقودنا إلى إعلان الأسماء والأرقام». وأكد أن مشروع تعديل المادة 29 المشؤومة الخاص بالصرف التعسفي بات في عهدة وزارة التربية».


أنتظر الحكم

حضرت إحدى المعلمات المصروفات للتضامن مع زملائها، كما قالت. فهي أقصيت عن مدرستها العام الماضي بعد 12 سنة من التعليم، بموجب كتاب صرف تأديبي وفق المادة 26 من قانون تنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة، والحجة أنّها طالبت برواتبها المتأخرة سنة كاملة. رفضت المعلمة الكتاب، وادّعت أمام قاضي الأمور المستعجلة. وحتى الآن لم يصدر الحكم، لكنها تبدو متفائلة حيال النتيجة، لأن القضاء استطاع أن يحوّل الصرف من تأديبي إلى تعسّفي وفق المادة 29، ما يخوّلها الحصول على تعويضين أساسي وإضافي. ولكن متى؟ لا أحد يعرف! كما تقول.