رامي زريقتتذكر فريال تماماً يوم أسر الجنديين الإسرائيليين في عملية عيتا الشعب. كان يوماً عادياً من تموز 2006 عندما تسارعت الأحداث التي غيّرت حياتها إلى الأبد. تذكر فرحة الأطفال ونزول بعضهم إلى الشارع يهللون ويقدمون الحلوى للسيارات والمارة. تذكر خوف المسنّين الذين لم يعلّقوا على الحدث سوى بكلمة «الله يستر!». تذكر الزوار الذين سارعوا بالعودة إلى بيروت. تذكر مكابرتها على الخوف، واحتماءها بقناعاتها التي لا تهتز. كان يوماً حاراً بثقل رطوبته وسكون نسماته. عادت باكراً إلى البيت، حلبت بقراتها الثلاث وانتظرت مرور تاجر الحليب. قرابة الظهيرة، اهتز العالم. مزقت أسراب الطائرات سماء تموز الزرقاء ولوّنتها بالسواد. دمّرت الصواريخ الطرقات والجسور وقطعت جنوب الوطن عن باقي البلاد. لن يأتي التاجر. سقت فريال شجرات الزيتون العطشى بحليب أبقارها. التجأ معظم أهالي بلدتها إلى المدن حيث اختبأوا في المدارس أو عند الأقرباء. بقيت وحدها صامدة بين أشجارها وأبقارها. شاهدت أرضها تحترق وأبقارها تموت واحدة تلو الأخرى. وبعد 33 يوماً من الدمار الصهيوني، والشاي المرجعيوني، والطعن الداخلي، سكبت إسرائيل عناقيد حقدها في الحقول والكروم والمراعي لتقول لأهل الجنوب: لن أستطيع الدخول إلى أراضيكم، لكنني سأمنعها عنكم. أعادت فريال ترتيب حياتها. لم يعوّض لها أحد عن أبقارها، ولكنّ وكالات الغوث وزّعت عليها أكياساً من الحليب المجفف. ثم حان وقت قطاف الزيتون. وبالرغم من تنبيهات الأهالي، توجهت فريال إلى كرمها، في محاولة يائسة للإفادة من رزقها. ذهبت سيراً على قدميها ، لكنها عادت بساق واحدة فقط. وها هي الآن في باحة منزلها في يوم حار من تموز 2009 تنتظر شيئاً لا تعلم ما هو... يا ترى ماذا يخبّئ لها المستقبل؟