تسليم جثامين بعض الشهداء في إطار عملية تبادل الأسرى بين حزب الله وإسرائيل في مثل هذا اليوم قبل عام، رفع منسوب الخيبة لدى أهالي الشهداء والمفقودين إلى أعلى مستوياته. فالأمل الأخير الذي علّق على ما وصف بـ«آخر العمليات»، انفرط. وبقي مصير كثير من المفقودين أو جثامينهم لغزاً. عام مر بلا حلحلة للقضية التي يساهم في زيادة غموضها أطراف عدة، ليس آخرها إسرائيل وعملاؤها
الجنوب ــ آمال خليل
205 شهداء عبروا في مثل هذا الصباح بوابة الوطن عند رأس الناقورة وصولاً إلى العاصمة بيروت. الجثامين التي رقدت في مجمّع «شاهد»، إلى حين التعرف إلى هويات أصحابها وفرزها وتسليمها إلى ذويها وأحزابها أو دولها، وقف إلى جانبها ذووها الذين «فرحوا» للقاء ولو مع رفات أحبائهم. في المقابل كانت الخيبة تنتاب العشرات من أهالي الشهداء والمفقودين الذين لم تنجح عملية التبادل في استبدال حرقتهم المزمنة ببرد استعادة رفات أبنائهم أو كشف مصيرهم على الأقلّ. فالرقم 205 المستعاد لا ينهي القضية، بالمقارنة مع المئات من الذين يطالب بهم ذووهم وقوى جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية والفصائل الفلسطينية والإسلامية.
الشهداء اللبنانيون الذين استعادهم التبادل العام الماضي ينتمون إلى حزبي البعث العربي الاشتراكي والسوري القومي الاجتماعي، وكان عددهم 12، فيما انتمى الآخرون إلى فصائل المقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى شهداء حزب الله الثمانية الذين سقطوا خلال عدوان تموز الأخير.
لكن لائحة الشهداء المطلوب استردادهم من إسرائيل وعملائها تطول: وجدي الصايغ وعلي طالب وخالد أزرق وفدوى غانم ويحيى الخالد وحسين ضاهر وفرج الله فوعاني وجمال ساطي وأياد قصير ومحمد منصور وجمعة جباعي ومحمد جمعة وكامل شحادة... هؤلاء كانوا قد استشهدوا في عمليات لقوى المقاومة المختلفة، وبحسب شهود عيان فقد أسر جنود الاحتلال والعملاء جثامينهم ونقلها من ميدان المواجهة إلى جهة مجهولة، قد تكون داخل فلسطين المحتلة أو في المناطق التي كانوا يسيطرون عليها.
ومجدّداً للمرة الثامنة، يقف ذوو المفقودين الموقف الأصعب في محاولة يائسة للململة أخبار عنهم. بعضهم لم ينتظر وصول موكب الشهداء، بل حضر في اليوم السابق لاستقبال الأسرى الأحياء لعل «مفقودهم» يكون بينهم، أو لعلّهم يعرفون شيئاً عنه منهم. حتى إن المفقودين أنفسهم حضروا بصورهم التي أكل عليها الانتظار وشرب: هنا جلست أمهات طالب أبو ريا وإبراهيم إسماعيل وحسن فياض وعلي حجازي ومحمد حوا وسمير الخرفان، وهناك وقف أبناء موسى الشيخ سلمان وسعيد الجرار.
الخيبة الأولى التي تلقّفها الأهالي فور انتهاء عملية التعرف على الشهداء وفرزهم، عاجلها البيان الوزاري للحكومة بعد أيام بخيبة ثانية عندما اعتبر أن الملف أُقفل مع إسرائيل، بالرغم من أنه أكد بأن «الحكومة تولي اهتمامها لكشف مصير المفقودين اللبنانيين» بدون تحديدهم، ما أشاع ظناً بأن المقصود هم المفقودون في السجون السورية. أما الضربة القاضية التي تلقاها الأهالي فكانت إعلان السيد حسن نصر الله قبل سبعة أشهر بأن الفحوص المخبرية أثبتت بأن ليس من بين الشهداء العائدين رفات يحيى سكاف ودلال المغربي. كما أنه لم يجزم ما قد تفعله المقاومة لاستعادة الآخرين الذين ترك لذويهم حرية التصرف في تسوية أوضاعهم قانونياً وشرعياً، وبكل الأحوال، من المتوقع أن يتطرق السيد إلى هذا الملف في ذكرى عملية التبادل اليوم.
لكن توفية الأبناء ليست أمراً يسهل القيام به من قبل الأهالي لأنهم بذلك يدفنون الأمل بعودتهم للأبد. لذلك تجد والد الصياد المفقود محمد فران حائراً بشأن تسوية أمر فلذة كبده، فيما لا تجرؤ كل من والدة الشهيدين، المدرجين على لائحة شهداء الحزب الشيوعي، يحيى الخالد وأياد قصير على مجرد التفكير في الأمر. بل هما تتركان لنفسيهما، على الرغم من مرور 22 عاماً على استشهادهما، مساحة متجدّدة للأمل بعودتهما حيَّيْن حتى بعد عملية التبادل الأخير التي شكلت رجاءهما الأخير.
تقول أم نصر قصير: «سنواتي القليلة الباقية لي فوق الأرض لا تسمح لي بدفن السنوات العشرين لأياد تحتها لمجرد فقدان الأثر». العائلتان، وزميلاتهما الكثيرات، تخترع طاقات للفرج من هنا وهناك، بعضها يخيب وبعضها يصيب. آخر هذه المحاولات، وقد تكون أهمها الآن، المطالبة بالتحقيق مع العملاء المتورّطين بقتل المفقودين من المقاومين أو دفنهم أو أسرهم، وفق المعلومات وشهود العيان. وهناك مطالبات بحفر بعض الأماكن التي ترجّح المعلومات وجود مقابر جماعية فيها. وفي هذا الإطار تبرز الدعوى القضائية التي رفعتها عائلة الشهيد يحيى ضد العميل منصور البدوي بتهمة قتله وإخفاء جثته، متذرعين بقرائن وإفادات من الشهود. بالإضافة إلى المقبرة الجماعية في بلدة «رب ثلاثين» التي تضم رفات خمسة مقاومين، كان العملاء والإسرائيليون قد دفنوهم في عام 1980 على مرأى من الأهالي (راجع الأخبار العدد 351).
الجديد في مناسبة اليوم، انضمام عائلة جديدة إلى نادي الانتظار هي عائلة الشهيد المفقود حسن فحص (راجع عدد الأخبار 581). شهيد حزب الله في مواجهات مثلث التحرير خلال عدوان تموز لم يعد ضمن عملية التبادل حسب ما كان منتظراً، كما لم يُعثر على جثمانه في ساحات القتال لاحقاً ولا دفن مع أقرانه. أين هو؟ سؤال سألته ولا تزال زوجته زينب وأطفاله الأربعة الذين يمنّنون النفس بالثقة بالمقاومة التي وعدت بأن العثور عليه «مسألة وقت ليس إلا».
ودعت الجمعية اللبنانية للاسرى المحررين، في بيان أصدرته أمس، إلى كشف النقاب عن الممارسات الصهيونية التي يتعرض لها 11 ألف أسير فلسطيني وعربي لا يزالون يقبعون في السجون الإسرائيلية. كذلك طالبت الجمعية بكشف مصير آلاف المفقودين الذين يشكلون مع عائلاتهم وذويهم معضلة إنسانية حقيقية ووطنية.