بعلبك ــ علي يزبكتتعالى فجأة ألسنة اللهب ويتصاعد الدخان فيتراكض الفلاحون إلى السهل من أجل حصر النيران ومنع انتشارها. لكن في النتيجة فإن تعب موسم كامل من القمح يكون قد ذهب هباءً مثورا. إنه نموذج عن حرائق القمح التي تندلع في مختلف أنحاء سهل البقاع، وتحرق معها قلوب المزارعين.
ويؤكد المزارع جمال ناصر، الذي فقد 350 دونماً من القمح في بلدة حوش تل صفية في ظرف نصف ساعة بعدما ساعدت الرياح القوية على انتشار النيران، «أن ما جرى هو كارثة حقيقية، إذ ضاع موسم السنة، وسجل ناصر عتبه على الحكومة التي تركت المزارعين لقدرهم من دون أي ضمان أو حماية حتى عند وقوع الكارثة كحريق الزرع، مشيراً إلى أن خسارته تفوق الخمسين مليون ليرة لبنانية.
وتمكّن الأهالي بعد جهود مضنية واستخدام الجرارات الزراعية ومشاركة سيارتي إطفاء للدفاع المدني من الحؤول دون امتداد ألسنة النار إلى الحقول المجاورة. ويكاد لا يخلو يوم، منذ بداية تموز، من اندلاع حريق يأتي على مساحات كبيرة من سنابل القمح اليابس، إذ يخوض المزارعون صراعاً مع الوقت من أجل إتمام الحصاد، حيث لا تكون الحصادات متوافرة وتحت الطلب. وبحسب المزارع محمد درة، فإن غالبية المزارعين يريدون أن يحصدوا خلال شهر تموز، فيما عدد الحصادات محدود جداً، وهنا لا بد من الانتظار حتى يحين دورك. وخلال هذه الفترة، فإننا نرابط طوال اليوم قرب أرضنا خوفاً من الحريق الذي قد يداهمنا في أي لحظة.
ويؤكد درة أن المزارعين يستخدمون «إجراءات الوقاية كلها، كالقيام بالحرث في محيط المساحات المزروعة بالقمح لإزالة الأعشاب اليابسة (الهشير). وتالياً، لا تجد النار ما تأكله، وتنظيف المنطقة من الزجاجات الفارغة» التي تؤدي دوراً مكبراً للحرارة، فتسبب الحرائق. لكن برغم كل ذلك، فإن النار قد تندلع في أية لحظة، «ولذلك فإننا نقوم بالتناوب والحراسة ليل نهار كمزارعين لا لمنع اندلاع الحرائق، وإنما لمنع انتشارها والحدّ من الخسائر» كما يقول. وأسباب اندلاع الحرائق متعددة، منها ما هو ناجم عن ارتفاع الحرارة كتلك التي تحدث في رابعة النهار، أو عن إهمال بعض السائقين المدخّنين الذين يقذفون أعقاب السجائر من نوافذ سياراتهم وهم يمرون بسرعة إلى جانب الطريق، وسط الأعشاب اليابسة «الجاهزة» للاشتعال، فتندلع النيران على الفور، وهذا ما يفسر اندلاع بعض الحرائق خلال الليل، إضافة إلى الأسباب الإجرامية كا في بعض الحرائق المفتعلة التي يكون وراءها طيش بعض الأولاد المشاغبين، كما حصل في بلدة علي النهري حيث اندلع حريق أتى على مساحة تسعين دونماً من القمح تخصّ المزارع عدنان الموسوي. وفي النتيجة تبيّن أن أحد الصبية قد أشعل النار ليشاهد كيف تنتشر بسرعة ،كما قال الاهالي!