إيلي شلهوب


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

جديد الحراك الأميركي في المنطقة عنصران: مبادرة شبه متكاملة لحلّ على المسار السوري ـــــ الإسرائيلي، وأخرى أشبه بجدول أعمال على المسار الفلسطيني، بانتظار مبادرة إيرانية المصدر لتسوية إقليمية شاملة. المبادرة الأولى، المتعلقة بسوريا، جاءت تتويجاً لانفتاح متعدد الأبعاد على عاصمة الأمويين بلغت حدّ عدم استبعاد قيام باراك أوباما بزيارتها وقرب تسمية سفير أميركي لها، يرجَّح أن يكون فريد هوف نفسه، الممسك بالملف السوري في فريق جورج ميتشل. وهي تنص على مرحلة أولى تستمر سنوات، يجري في خلالها تطبيع بين الجانبين وإقامة محميات طبيعية ومشاريع سياحية مشتركة في هضبة الجولان المحتلة أشبه بجزرة للطرفين لتلمس منافع السلام. بعدها، يجري انسحاب إسرائيلي إلى خط حدّدته واشنطن من دون أن تفصح عنه، يُعرف بـ«خط هوف»، على أمل ردم الخلاف على بضع مئات من الأمتار بين حدود الرابع من حزيران التي تطالب بها دمشق والخط الذي أعربت تل أبيب عن استعدادها للانسحاب إليه. ومعروف أن هذا الخلاف أجهض المفاوضات السورية ـــــ الإسرائيلية في العقد الأخير من القرن الماضي.
مبادرة كهذه دونها عقبات تبلغ حد الاستحالة في بلوغ أهدافها، في مقدمتها تركيبة حكومة نتنياهو التي يستحيل أن تقبل أحزابها اليمينية المتطرفة إعادة الجولان، وتأنّي دمشق التي تؤكد رغبتها في استعادة حقوقها على «طبق من ذهب». صحيح أن الطرفين يؤكدان استعدادهما للعودة إلى طاولة التفاوض غير المباشر، برعاية أميركية أو تركية، لكن من منطلق أن المفاوضات تبدو غاية بحد ذاتها تفتح للطرفين أبواب المجتمع الدولي من دون التنازل عن الثوابت التي وضعها كل منهما للحل.
في المقابل، هناك واشنطن التي تنتمي إلى مدرسة تقول بأن المحادثات تخلق دينامية خاصة لا أحد يعرف إلى أين يمكن أن تؤول. وهي تراهن على تقديم مجموعة من المغريات إلى دمشق تفك عناق الدب الإيراني لها، تعاونها في ذلك الرياض، التي يبدو أن تقاربها مع عاصمة الأمويين يتجاوز بكثير الملف اللبناني.
أما المبادرة الثانية، المتعلقة بالمسار الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي، فتبدو أشبه بجدول أعمال يشمل مواضيع البحث والإطار الزمني من دون أن تتضمّن عناصر واضحة للحل النهائي باستثناء رؤية «دولتين لشعبين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام». مبادرة كهذه لا تزال قيد الإعداد، وإن كانت قد مُنيت بنكسة قبل خروجها إلى العلن مع فشل الإدارة الأميركية في بناء الثقة بين الجانبين عبر إجبار إسرائيل على تجميد كامل للاستيطان والضغط على العرب لتقديم بوادر حسن نية تطبيعية. أما الإطار فيبدو أنه قد حسم، بمعنى إطلاق التفاوض في مؤتمر دولي يُعقد على الأرجح في موسكو استجابة لمبادرة روسية، تليه مفاوضات ثنائية برعاية أميركية.
وهذه المبادرة أيضاً تبدو دونها صعوبات، في مقدمتها «لاءات نتنياهو» وتركيبة حكومته والدلال العبري على واشنطن، يضاف إليها الانقسام الفلسطيني الذي بلغ حد التشرذم وبات يهدّد «فتح»، عماد سلطة محمود عباس. ومع ذلك، فإن لتحريك عجلة المفاوضات مكاسب يمكن أن تستفيد منها أطراف عديدة، في مقدمتها الولايات المتحدة، التي توفّر من خلالها روافع لضغوط على العالم العربي وتساعدها في محاولتها عزل إيران؛ وروسيا التي تستعيد موطئ قدم في المنطقة في إطار تسوية مع واشنطن التي تأمل مساعدة موسكو للضغط على طهران في الملف النووي. كذلك حال القاهرة، التي استعادت دورها وحظوتها لدى العم سام الذي يحتاج إلى مساعدتها في توفير الأرضية الفلسطينية (عبر المصالحة) وبناء الثقة (صفقة شاليط والتهدئة) لإطلاق هذه المفاوضات؛ و«حماس» التي تلقت إشارات إيجابية من إدارة أوباما سارعت إلى تلقفها بإعلان قبولها الضمني بدولة ضمن حدود 67؛ وسلطة عباس التي لا حياة لها من دن رضى واشنطن؛ وحكومة نتنياهو التي لن تتضرر مطلقاً من محادثات ضمن السقوف التي وضعتها.
مبادرتان يُدرك المعنيون بهما أن لا أمل لهما بالسير قدماً إلا عبر مباركة إيران، أو انقلاب حلفائها عليها. هذا ما تقوله تل أبيب، التي تؤكد أن الحل في المنطقة يبدأ بتقليم أظافر طهران، وواشنطن التي تشترط على دمشق فكّ تحالفها مع الجمهورية الإسلامية لنيل الرضى الأميركي الكامل. وبالتالي تبدو هذه المساعي نوعاً من استغلال للوقت، بانتظار تطورات الملف الإيراني، وكعامل للضغط عليه في الوقت نفسه.
المضحك في كل ما يجري أن الملف الرئيسي الذي يمثّل العمود الفقري لأي تسوية في المنطقة، وهو الملف الإيراني، يعتمد على مبادرة يترقبها الجميع من طهران نفسها، بعدما أكدت إدارة أوباما استعدادها لمفاوضات بلا شروط. مبادرة يعكف على إعدادها فريق محمود أحمدي نجاد، استناداً إلى أخرى سبق أن تقدم بها الرئيس القديم ـــــ الجديد إلى جورج بوش، تضمّنت دعوته إلى اعتناق الإسلام، وعلى وجه الخصوص النسخة المهدوية منه.
يقول فريق نجاد إن المبادرة السابقة بحاجة إلى تعديل في ضوء التطوّرات. عسى ألا يكون التعديل المزعوم دعوة إلى باراك حسين أوباما للعودة إلى الإسلام، مرفقة بتهديد باعتباره مرتداً عن الدين الحنيف؟