طرابلس ــ فريد بو فرنسيسهو آخر من احترف مهنة تناقلها عن أجداده. هكذا، يجلس أحمد ديب يوميّاً في محله الصغير لصناعة الأحذية وإصلاحها، مكافحاً للحفاظ على الإرث الذي تعلّمه أباً عن جدّ. لكن ديب لم يستطع إقناع أحد من أولاده الأربعة بتعلّم المصلحة لأنها «أصبحت مهنة لا يستطيع الإنسان تأمين قوته اليومي منها»، كما يقول لـ«الأخبار». وهناك، عند المدخل الشرقي لخان العسكر في الأسواق الأثرية في مدينة طرابلس، يدسّ دكان أحمد ديب نفسه بين الدكاكين الصغيرة المتلاصقة، التي تحترف جميعها الاختصاص نفسه، من دون أن يتنافس أصحابها على الرزق «لأنّ كل واحد منّا الله بيبعتلو رزقتو»، على حد تعبير عدنان أحمد، صاحب أحد هذه المحالّ. معظم العاملين في هذه الحرفة، يعملون فيها منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً، ويكافحون كثيراً من أجل البقاء في ظل الاستيراد العشوائي للأحذية التي أصبحت في معظمها أرخص بكثير من الصناعة المحلية، من دون أن تمتلك مواصفاتها الجيدة.
عدنان أحمد كان منهمكاً في إنهاء زوج من الأحذية سوف يسلّمه إلى صاحبه بعد ساعة. يجلس وراء سندانه الحديدي يقلّب «فردة» الحذاء بين يديه محاولاً الانتهاء من تثبيت النعل بالمسامير. «مع أنني أعمل في هذه المهنة منذ أكثر من خمسين عاماً، فإنني لا أذكر يوماً كان فيه الشغل خفيفاً كما هو عليه الآن. فأسعار الجلد المستورد أصبحت غالية جداً علينا، وأصبح الحذاء مكلفاً للغاية وسعره يضاهي سعر الأحذية المستوردة، إن لم نقل أكثر». غير أنّ زبائن أوفياء يؤمّنون الاستمرار لعدنان، الذي يعرض علينا زوجاً جديداً من الأحذية «تعوّد صاحبه أن يلبس أحذية مصنوعة لدينا، لأنّه يرتاح للصناعة والنوعية».
وعن إصلاح الأحذية القديمة يقول: «الضائقة الاقتصادية الصعبة، وغلاء الأسعار، حوّلا معظم الزبائن إلى زبائن إصلاح أو رتق للأحذية القديمة، نعل من هنا، كعب من هناك أو درز، فهذا غير مكلف قياساً إلى سعر زوج جديد في سوق اليوم».
أما أحمد ديب، فهو لا يرى مستقبلاً لصنعته التي يعتقد أنّها «سوف تنقرض إذا ما استمر الوضع الاقتصادي متردّياً بهذا الشكل». وهو لذلك لا ينصح «أحداً بتعلمها، فأولادي شاهدوا والدهم كيف تعتّر من جراء هذه الحرفة، فهربوا منها إلى أعمال أخرى». أما السبب وراء انقراض المهنة المحتمل لجهة صناعة الأحذية المحلية، فهم «الرأسماليون الكبار الذين يستوردون البضاعة من الخارج ويدخلونها إلى لبنان»، مع أنّ نوعية البضاعة التي تستورد من الخارج في رأيه غير جيدة، ما عدا البضاعة الإيطالية.
350 أسرة تعتاش من صناعة الأحذية ومتفرعاتها، كما يقول نقيب صناعيي الأحذية في الشمال رامز العلي، مشيراً إلى أنّ المشكلة الأبرز التي تواجههم هو الاستيراد العشوائي الذي لم يعد باستطاعة العامل أو المصنع منافسة أسعاره، ومعظم هذه البضاعة هي صناعة صينية تدخل بكثرة إلى الأسواق اللبنانية.