خالد صاغيةربّما كانت الصدفة وحدها ما دفع زياد الرحباني إلى نبش الأرشيف واختيار اسكتش «الغبرة» من برنامجه الإذاعيّ «العقل زينة» الذي قدّمه على «صوت الشعب» عام 1987، ليعيد تقديمه ضمن برنامج حفلاته في قلعة دمشق الأسبوع الفائت.
ذلك الاسكتش الذي يتحدّث عن البورجوازية الصغيرة التي تصعد فجأة من دون أن ينتبه إليها أحد لتخرّب ما استطاعت في المجتمع، والتي لا يمكن التخلّص منها لأنّها تنتشر فعلاً كـ«الغبرة». لا ينفع معها إغلاق الأبواب والنوافذ في فصل الشتاء، ولا فتح الأبواب والنوافذ في فصل الصيف، كما يقول الاسكتش.
مهما يكن الأمر، كانت الصدفة في محلّها. فالذاهب إلى الشام هذه الأيّام لا يمكنه إلا أن يلاحظ انتشار «الغبرة». لن يجدها في الأسواق الشعبيّة، كما قد يتخيّل البعض، ولا في تلك الأماكن الحميمة التي ما زالت محافظة على سحرها، ولا حتّى في بعض البيوت القديمة التي تحوّلت إلى مقاهٍ وحانات.
لكن، في مقاهٍ وملاهٍ حديثة أخرى، يلتقي المرء بطبقة من رجال الأعمال لم تكن موجودة في دمشق من قبل. يمكن إطلاق وصف حداثة النعمة عليها، وهذا واضح على ملبسها وحركتها وحتى طريقة رقصها. وغالباً ما تمارس هذه الطبقة «فجورها» في أحياء فقيرة، إرضاءً لعُقد نقصها، واستعراضاً لثرواتها الجديدة.
الآتون من بيروت يعرفون هذه الطبقة جيّداً. فهي لا تني تتوالد من الهجرات المتتالية، ومن شبكة المحسوبيّات التي تجدّد نفسها كلّما ورث زعيم والده.
لكنّ اللافت أنّ هذه الطبقة التي غالباً ما يكون السيجار والحذاء الأبيض ملازمين لها، نشأت في سوريا وقتَ كانت واشنطن ودمشق تتباعدان في السياسة، إلا أنّ السياسات الاقتصاديّة النيوليبرالية المروَّج لها أميركياً، وجدت، رغم ذلك، أبواباً مشرّعة في عاصمة الممانعة. وكالعادة، يترافق صعود هذه الطبقة مع انتشار الحديث عن التنمية، وهذه واحدة من آخر صيحات الموضة في دمشق.
أمام باب القلعة، كان الآلاف يتدافعون لحضور حفل الرحباني. بعض أصحاب الأحذية البيضاء كانوا هناك أيضاً، وفي الصفوف الأماميّة كالعادة. وحين علا التصفيق، صفّقوا لانتشار «الغبرة». نادراً ما يحظى المرء بفرصة التصفيق لنفسه.