strong>ديما شريفجلس الثلاثة أمامي. لم أنتبه إلى أنّهم وصلوا إلا بعد برهة من الزمن، حين سعلوا لينبّهوني إلى وجودهم. كنت قد بدأت أحسّ بجوع كبير بعد قراءتي كتاباً عن الجوع. تجاهلت وجودهم. لم أكن أريد الحديث معهم. تركني الثلاثة فجأة في وقت ما خلال العام الفائت. لم ينذروني مسبقاً. لم يكن باستطاعتهم في سائر الأحوال. لكنّهم تركوني وكنت غاضبة جداً منهم. ذهبت إلى المطبخ وتناولت بعض الطعام، وعندما عدت كان الثلاثة لا يزالون في مكانهم.
وضعت إحدى السيمفونيات الصاخبة ورفعت صوت الموسيقى ليفهموا أنّني أتجاهلهم عن قصد. لم يتكلموا، كانوا يبتسمون بطريقة تثير الحنق. بدأت الصراخ في وجوههم. لكنّ صوتي لم يكن مسموعاً. انفجر الثلاثة بالضحك. كانوا يهزأون مني، من عجزي عن محاسبتهم على رحيلهم. جلست ورحت أحدّق في وجوههم. فجأة، بدأت أتبيّن أنّ وجوههم لا لون لها، وبدأت تتحلل. بدأت أفهم لماذا رحلوا، ولماذا لم يكن باستطاعتهم تنبيهي مسبقاً. فالأول كان يعاني من مرض أقعده منذ زمن، ووصل إلى مرحلة لم يعد جسده يتحمل شيئاً. توقفت أعضاؤه واحداً تلو الآخر عن العمل. لكن على فترات متباعدة كي يطول عذابه. وعندما وصل دور قلبه بعد عقله، رحل. أما الثاني فلم يكن يعاني من شيء، في الواقع كان يعاني من اللاشيء. لكنّه توجه في يوم مشمس إلى عمله، ولم يبق منه سوى حذاء عسكري مدمى، داخله بضعة أشلاء من قدمه. لا تزال هذه الأشلاء حتى اليوم تبحث عن باقي جسده من دون جدوى. أما الثالث فاكتشف منذ سنوات أنّ لا شيء يستحق الحياة على هذه الأرض. فانتظر وانتظر وانتظر. حتى جاءته الفرصة ليقفز خارجها، خارج الحياة.
أصدقائي الأعزاء، يبدو أنّني أفقدكم من وقت إلى آخر لأسباب عدّة، بعضها موضوعي وبعضها الآخر ذاتي جداً. ولذلك أرى أنّ من الأفضل أن تعلموني قبل وقت برحيلكم. فمثلاًَ يمكنكم إعطائي إنذاراً قبل أسبوعين، وعندها إما آتي معكم حيث تذهبون، أو أحاول في ما بقي من الزمن تأمين من يحلّ مكانكم.