بنت جبيل ــ داني الأمينوأخيراً، انطلق مسح العقارات في بعض قرى بنت جبيل، وبات لأصحاب العقارات التي لم يُعترض على مسحها في قلاويه والسلطانية وبيت ياحون وصفد البطيخ سند أخضر يثبّت ملكياتهم. لكنّ المفارقة أنّ أهالي المنطقة لم يعتادوا بيع العقارات وتحديدها، وفق الأطر القانونية المتعارف عليها في المناطق اللبنانية الأخرى، إذ كانوا يشترون عقاراتهم بموجب عقد بيع عادي يوقّعه طرفا العقد، ليحصلوا بعد ذلك على «علم وخبر» من المختار كوثيقة رسمية وحيدة تثبت ملكية العقار، من دون أية معاملات رسمية أخرى أو رسوم تُدفع لخزينة الدولة.
هذا الواقع قاد الناس إلى استسهال شراء العقارات وبيعها مع ما يرافق ذلك من خلافات ومشاكل على حدود الأرض، وأحياناّ على أصل الملكية، إذا لم يُتثبّت منها بدقّة من المختار. كذلك وضع كثيرون أيديهم على بعض أراضي المشاع وبنوا منازلهم فوقها، كما حصل في بلدة خربة سلم في قضاء مرجعيون. بل إنّ بعض الأهالي لجأوا في مكان آخر إلى توسيع مساحة عقاراتهم على حساب المشاع البلدي أو الجمهوري في ظلّ غياب الرقابة والمسح العقاري الذي يحدّد المساحات بصورة دقيقة.
وبينما يستعدّ أبناء بلدات شقرا وحولا وبليدا وعيترون للمسح العقاري، يتحدث أهالي القرى الممسوحة حتى الآن عن مشكلات كبيرة رافقت عمليات المسح، وأدّت أحياناً إلى حصول البعض على سندات ملكية لعقارات فقد أصحابها الأصليون الحقّ في المطالبة باستعادة ملكيتها، بسبب نفاذ المهل القانونية. ويقول نزيه زين الدين، من بلدة صفد البطيخ، إنّ المسح العقاري حقق فوائد لجهة حفظ الحقوق لأصحابها، ولو هجروا أرضهم وسافروا إلى أماكن بعيدة. لكن عمليات البيع والشراء باتت مكلفة، بحسب زين الدين، بسبب الرسوم الواجب دفعها، لذا لجأ أصحاب العقارات الكبيرة إلى تقسيم عقاراتهم إلى أجزاء عدّة قبل المسح ثمّ مسحوها بهدف التخفيف من هذه الرسوم.
في المقابل، تهافت البعض، كما يقول سامر زين الدين، على القروض السكنية التي لا تمنح إلّا لأصحاب العقارات الممسوحة. ويلفت إلى أنّ المسح منع قضم الطرقات الزراعية، وأدى إلى ارتفاع أسعار العقارات بنسبة لا تقل عن 10% وانتهى بذلك عصر «العلم والخبر» وما ينجم عنه من مشاكل مع الجيران الذين يجب أن يوقّعوا موافقتهم على حدود العقار. وحسب حسين زين الدين (موظف) فإن «أكثر من 40% من أصحاب العقارات في بلدة صفد البطيخ لم يحصلوا بعد المسح على سندات خضراء تثبّت ملكية عقاراتهم بسبب اعتراضات بعض الأهالي على ملكيات غيرهم بعد المسح وفي المهلة القانونية، ما حرم البعض الحصول على سندات التمليك الخاصة بهم بانتظار حكم المحكمة الذي قد يطول كثيراً». وقد فوجئ بعض المهاجرين بمسح عقاراتهم على أسماء أقرباء لهم، ولم يتمكنّوا من الاعتراض ضمن المهل القانونية، لعدم علمهم بذلك. ويثير زين الدين إمكان وقوع المختار فريسة بعض المحتالين، كما حصل هنا في صفد البطيخ، إذ أقنعه «أحد ورثة صاحب عقار متوّفٍّ بأن إخوته الثلاثة المهاجرين سمحوا له بمسح عقار والدهم باسمه فأعطى المختار إفادته للمسّاح الذي مسح العقار على الفور وانتهت المهلة القانونية للاعتراض».
والمضحك المبكي أنّ بعض أصحاب العقارات من كبار السنّ، قسّموا عقاراتهم قبل المسح ووزّعوها على أولادهم ثمّ مسحوها بأسمائهم للتخفيف من الأعباء المادية عنهم. لكن الأولاد لجأوا بعد حصولهم على سندات التمليك إلى ترك أهلهم الذين كانوا يهتمون بهم طمعاّ في حصتهم بالإرث.

المسّاح والمختار
يجمع أبناء صفد البطيخ على أن المسّاح أقنع مختار البلدة بتحديد عقار على الشارع العام على أنّه مشاع جمهوري لا بلدي، بسبب الدعاوى المرفوعة على العقار للحصول على ملكيته، وبالتالي فالدولة أقدر على حماية العقار وتحمّل أعباء الدعاوى. ويؤكد كثيرون أنّ المسّاحين المكلّفين حصلوا على أموال طائلة لقاء عملهم في مسح الأراضي، ولا سيّما تلك التي شاركوا في تقسيمها أو تحديدها قبل المسح. ويقول علي وهو اسم مستعار: «طلب منّي المسّاح دفع 200 دولار أميركي لقاء مسحه لأرضي التي اشتريتها من أحد المتوفّين، وعندما رفضتُ الأمر قال لي إنّه يجب عليّ الحصول على تواقيع الورثة المهاجرين، فاضطررت إلى دفع المبلغ بسبب أنّ بعض المسّاحين يعقّدون الأمور إذا لم ندفع لهم!».