خالد صاغية صدر أخيراً تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009. وهو واحد من سلسلة تقارير التنمية الإنسانية التي تتناول المنطقة العربية حصراً، والتي صدر أوّلها عام 2002.
ليس المجال هنا للخوض في مضمون التقرير المخصّص لتحدّيات الأمن في البلدان العربيّة، لكنّ المستغرب أن يصبح هذا التقرير لقيطاً لا يجد من يتبنّاه، حتّى قبل إعلان مضمونه. فالكاتب الرئيسي للتقرير تنصّل من النسخة النهائيّة، بسبب حذف فصل كامل منه والتلاعب بفصول أخرى. اللجنة الاستشاريّة للتقرير تنفي إدخال هذه التعديلات التي تردّها لموظّفي البرنامج الإنمائي للأمم المتّحدة (UNDP). الـUNDP نفسها لا تستطيع تبنّي التقرير لأنّها ذكّرت في مقدّمته بقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1994 الذي أكّد آنذاك أنّ تقرير التنمية الإنسانية ليس وثيقة رسمية صادرة عن الأمم المتحدة أو حتى عن برنامجها الإنمائي، وأن التقرير الحالي أُعدّ وفقاً لهذا الاتجاه الاستقلالي. وعادت مقدّمة الـUNDP لتؤكّد أنّ التقرير الذي بين أيدينا اليوم لا يعكس وجهة النظر الرسمية للأمم المتحدة أو لبرنامجها الإنمائي.
لفهم الضجّة المثارة اليوم، لا بدّ من العودة إلى الخطيئة الأصليّة، أي إلى تقرير عام 2002. صدر ذاك التقرير بعد عام على أحداث 11 أيلول. وكان الأوّل من نوعه، إذ لم يسبق أن أصدرت الأمم المتحدة تقارير عن التنمية الإنسانية تتناول منطقة بعينها. خلفيّة التقرير كانت واضحة: ما من مشكلة سياسيّة وراء ما حدث لبرجَيْ التجارة العالميّة في نيويورك. يجب البحث في مكان آخر. فلسفة التقرير كانت واضحة أيضاً: ثمّة نقص يعانيه العالم العربي. إنّه نقص تنمويّ. يجب سدّ ثُغَره حتّى يتحوّل العرب الأشرار إلى عرب جيّدين.
واجه التقرير آنذاك عائقاً جديّاً. فقد تبيّن أنّ استخدام مؤشّرات التنمية المعتمدة عالمياً لا يعطي المنطقة العربيّة علامة رسوب مدوٍّ. لذلك، عمد التقرير إلى اختراع مؤشّر خاص سمّاه «مؤشّر التنمية الإنسانية العربية» حتّى يتمكّن كَتَبَته من الحديث عن فجوات كبرى وإطلاق صفّارات الإنذار بأنّ العالم العربيّ ذاهب إلى الجحيم ما لم يجرِ التدخّل سريعاً لإنقاذه. ومَن الأَوْلى بإنقاذ العالم العربي من جورج بوش وجيشه؟
لم يكن التقرير جزءاً من مؤامرة بالطبع، لكن لا بدّ من رسم السياق السياسي الذي صدر فيه، وخصوصاً بعدما لاقى دعماً وترويجاً قلّ نظيرهما. أصبح مرجعاً ثميناً للشرق الأوسط الكبير الذي حلم بوش به ذات يوم.
دارت الأيّام. توقّف التقرير عن الصدور حين فَقَدَ جدواه السياسية. عاد فجأةً هذا العام ليحدّثنا عن الأمن، وفي آخر أولويّاته الاحتلالات وما جرّته التدخّلات العسكريّة الأجنبيّة على المنطقة. إنّهم العرب الأشرار مرّة أخرى. أولئك الذين يستخدمون أطفالهم في الحروب. أيّ حلم سينقذهم هذه المرّة؟