مر خبر تسمّم 35 بقاعياً جراء تناولهم لحم بقرة ميتة، مرور الكرام، وإذا ما أضيفت إلى اللحم المغشوش، مشكلة اللحم الفاسد جراء انقطاع التيار الكهربائي، يصبح من المفيد التفكير ملياً قبل أن يستهلك كل لبناني 23 كلغ لحم سنوياً
بسام القنطار
سجل شهر تموز حالات تسمّم عديدة وخطرة في مناطق لبنانية عدّة، وخصوصاً في البقاع والشمال، نتيجة تناول السكان فيها لحوماً، ليتبين لاحقاً أن 35 من هؤلاء تسمّموا جراء تناولهم لحم.. بقرة ميتة ذُبحت وبيع لحمها في قرية بقاعية دون أن تخضع لفحوص بيطرية مسبّقة للتأكد من سلامتها.
وتطرح حالات التسمم هذه قضية سلامة الغذاء، وخصوصاً في فصل الصيف، الذي بات طويلاً جداً في لبنان، لتلازمه مع انقطاع للتيار الكهربائي الناتج من ساعات التقنين المرتفعة التي تفرضها شركة كهرباء لبنان، وعجز المواطنين المتنامي عن تأمين بدائل في ظل ارتفاع أسعار الوقود واشتراكات المولدات.
ويشير رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتور زهير برو إلى أن المراقبة واجبة في كل المراحل التي تقطعها هذه اللحوم من المسلخ إلى المستورد إلى الموزع بالجملة إلى البائع بالمفرق فإلى مستهلكها أخيراً، وهذه اللحوم معرّضة في هذه المراحل كلها لعملية التلوث، كذلك يجب معاينة اللحوم في الملاحم قبل بيعها للمستهلك منعاً لانتقال الأمراض الحيوانية إلى الإنسان، وللقضاء على محاولات الغش وبيع لحوم فاسدة أو غير صالحة للاستهلاك البشري.
لكن الأمر الأخطر بحسب برو هو أن الموسم السياحي يزيد حجم الاستهلاك، وفي ظل غياب الرقابة الفعلية وازدياد الطلب تصبح المطاعم والملاحم في حِلّ من ممارسة الرقابة الذاتية، وخصوصاً على نوعية الطعام. ويشير برو إلى أن هذه الظاهرة موجودة في كل الدول التي تشهد ارتفاعاً في عدد السياح.
وبحسب برو فإن فرنسا هي الدولة النموذجية في عملية التشدد على سلامة الأطعمة خلال موسم السياحة، حيث يجري مراقبون صحيون رسميون مسحاً كاملاً ومتشدداً لكل المطاعم، ولقد نظّم هؤلاء خلال عام 2008 حوالى 50 ألف مخالفة، غالبيتها ناتجة من التشدد الصارم في معايير الرقابة.
وبالعودة إلى لبنان يشير برو إلى أن الأمر يجري بالعكس، فتغيب الرقابة في الصيف والشتاء على الغذاء، معلناً تلقي الجمعية العديد من الشكاوى عبر الخط الساخن عن حالات تسمّم أو إسهال حاد ناتج من تناول الأطعمة. ويشير إلى أن هذه الحالات تشمل مطاعم وملاحم في مختلف المناطق اللبنانية بما فيها بيروت.
ورغم أن الشخص الذي باع البقرة الميتة في البقاع قد أوقف بحسب المعلومات الأمنية التي وصلت إلى الجمعية، فإن برو يرى أن المعالجة الحقيقية تكون بالرقابة المسبّقة، لا بالرقابة اللاحقة التي تكون عادةً ردّ فعل على حوادث تسمّم بالجملة يسلّط الإعلام الضوء عليها.
وتشير جومانة الهوز المهندسة الاستشارية في المؤسسة الوطنية للمواصفات «ليبنور» إلى أن هناك مواصفات خاصة للحوم في لبنان صادرة عن المؤسسة تحدّد المتطلبات والخصائص الواجب توافرها في اللحوم الطازجة ـــــ لحوم البقر والجاموس والغنم والماعز المعدّة للاستهلاك البشري، ومنها المتطلبات الصحية والميكروبيولوجية وطرق الاختبار وطرق التخزين والحفظ والمعاملة الصحية الجيدة. لكن الهوز أكدت أن عملية الرقابة على هذه المواصفات ليست من صلاحية المؤسسة.
ازدياد الطلب في الصيف يجعل المطاعم والملاحم في حِلّ من الرقابة الذاتية
ومن المواصفات التي وضعتها المؤسسة على اللحوم أن تكون ناتجة من ذبح حيوانات سليمة وخالية من الأمراض المعدية، وملائمة للاستهلاك البشري، أن تجري عملية الذبح في مسلخ مرخص، وأن تكون الأدوات المستعملة فيه نظيفة وحادة ومطهرة، وتجري عملية تصفية الدم بصورة كاملة. ويجري سلخ الذبيحة بعد الذبح مباشرةً وقبل نزع أحشائها الداخلية بطريقة تضمن عدم بقاء أي جزء من الجلد على اللحم. ويسمح باستعمال ضغط الهواء بين الجلد وجسم الذبيحة لتسهيل عملية السلخ، فقط إذا كانت بطريقة جيدة لا تؤدّي إلى تلوث أو فساد اللحم، كما أن الأحشاء يجب أن تزال بعد السلخ مباشرةً مع عدم استخلاص أي جزء أو مادة من محتويات المريء أو الكرش أو الامعاء أو الأعضاء التناسلية. ويجري غسل الذبيحة باستعمال مياه صالح للشرب وعلى أن يكون مطابقاً للمواصفات القياسية اللبنانية الخاصة بـ«مياه الشرب». وأن تدمغ الذبائح بمعرفة الطبيب البيطري المختص، وتُستعمل لذلك دمغات معتمدة، ويجب أن تكون مادة الحبر ثابتة وغير ضارة بالصحة، ولا يسمح بإضافة أية مادة من المواد الحافظة والمواد الملونة والمضادات الحيوية وعوامل التطرية أو أية مادة أخرى باستثناء الحبر المسموح به المستعمل في دمغ اللحوم، وأن تكون جميع لحوم الذبيحة وأجزاؤها محتفظة بجميع صفاتها الطبيعية المميزة وخالية من الكدمات والبقع اللونية ومن التزنخ ومن مظاهر الفساد. كما تحدد المواصفات نسبة الأحماض الدهنية الطليقة ونسبة النتروجين الإجمالي الطيار والزئبق والزرنيخ والنحاس والرصاص والكادميوم وذلك عن طريق الفحص المخبري.
وتوصي دراسة أجرتها جمعية المستهلك ـــــ لبنان عن اللحوم الحمراء في لبنان في آب 2002 بتكليف من منظمة الفاو ووزارة الزراعة بضرورة الفحص ومكافحة الغش المتبع في الملاحم والسهر على النظافة العامة، ومراقبة تجميع العظام في المسالخ والملاحم، والتأكد من وصولها إلى الشركة المتخصصة بتلف بقايا الحيوانات، إضافة إلى التشدد في تطبيق جميع القوانين المتعلقة بالنظافة العامة والسعي إلى تطويرها حتى تتماشى مع المصلحة العامة للمستهلك.
وتقول المشرفة على برنامج مشروع تحسين أداء الملاحم في البلديات ندى نعمة إن نتائج هذه الدراسة دفعت الجمعية إلى البدء بمشروع تحسين أداء الملاحم منذ نهاية عام 2006. ولقد قامت الجمعية بعملية فحص 266 ملحمة موزّعة على ستّ بلديات هي: الغبيري، المريجة، صيدا، الشياح، سن الفيل وبرج البراجنة. وأظهر المسح الأولي وجود مشاكل كبيرة في هذا القطاع، منها عدم توافر الشروط الصحية الخاصة بإنشاء الملاحم وإدارتها، وعدم المعرفة بوجود مراسيم تنظم هذا القطاع وهو مرسوم فرض شروط صحية خاصة على محالّ بيع اللحوم، وعدم تطابق عملية البيع مع الحد الأدنى المطلوب عالمياً.
نعمة تقول إن الجمعية قامت عبر مراقبين صحيين مدربين بملء استمارات مفصلة تضمّنت كل المعلومات، وأعطت أصحاب الملاحم الإرشادات اللازمة والإجراءات التصحيحية (أنظر ص8). كما أجرت دورات تدريبية خاصة بالمراقبين الصحيين الموجودين داخل البلديات، ودورة تدريبية أخرى لأصحاب الملاحم.
وتقول إنه في المحصلة تبين أن بلدية سن الفيل كانت البلدية النموذجية في تمويل هذا المشروع وتطبيقه، حيث أُعطيت شهادات تقدير للملاحم التي طبّقت الشروط الصحية، وأُعلنت أسماء الملاحم في الصحف والمجلات.
وبعد تجربة سن الفيل بدأت الجمعية العمل مع بلديات ضواحي بيروت، التي تتركز فيها كثافة سكانية عالية، وفيها عدد كبير من الملاحم، ويجب إعادة تحسين أدائها بطريقة تضمن تنظيم هذا القطاع. ولقد قطع المشروع مرحلة مهمة.


الرقابة معدومة والمشاكل كثيرة

يشير رئيس جمعية المستهلك د. زهير برو إلى أن الجهاز الرقابي على سلامة الغذاء قليل العدد، فاللجنة الصحية في بلدية بيروت هي الهيئة اليتيمة الموكلة بالتحقق من سلامة الغذاء في مطاعم وملاحم العاصمة. ولقد بادرت الجمعية إلى طرح مشاركة مراقبين صحيين مدربين في الجمعية في عملية الرقابة لكن هذه المبادرة لم تلقَ تجاوباً.
وبحسب برو تختلف المشاكل العامة في الملاحم بين منطقة وأخرى، ففي بيروت والمدن الكبرى ثمّة مسالخ للذبح، أما في باقي البلديات، فإن الذبح يجري داخل الملحمة وهذا أمر خاطئ. كذلك فإن عملية نقل اللحوم لا تخضع للمراقبة الجدية، إضافةً إلى عدم وجود تكييف داخل الملحمة. هذا عدا عن مشاكل النظافة داخل الملحمة وتجهيزات السلامة العامة من مطافئ وصيدلية.
ومن المشاكل الأخرى عدم وجود مياه ساخنة وقرب مكبّات النفايات من الملحمة، وعدم وجود براد عرض، وبالتالي عرض اللحوم خارج البراد، كما أن الشهادات الصحية غير مجدّدة ونادراً ما تجد لحّاماً يرتدي اللباس الموحد الأبيض، والقفّازات والقبعة للحماية من تساقط الشعر.