راجانا حميّةهل صودف أن اشتريت سمكاً عن بسطة أحذية؟ بقدر غرابة هذا السؤال، قد يبدو الجواب أغرب. فالرجل، القاطن إلى جانب البسطة «المشكّلة» في سوق مخيّم صبرا، لا يجد سبباً يمنعه من شراء السمك من الجار بيد، ومن اختيار حذاء مناسب من البسطة الملاصقة! أما السبب؟ فليس لأنّ منتوجات الجار «نظيفة وطازجة»، بدليل رائحتها التي قد تدفع المارة لتغيير وجهة سيرهم، ولكن لأن أحمد ملتزم بـ«تنفيع الجار». ويقول مستغرباً السؤال «ليش لنشتري السمك من الغرباء، والمحل أمام المنزل؟». لا يبدو أن الرجل يهتم بسلامة ما يأكله. فكل ما له علاقة بالأمن الغذائي هناك متروك لله «وهو الحامي».
لحوم السوق الشعبي أفقدتها أشعّة الشمس وغبار العوادم لونها
الداخل إلى سوق صبرا الشعبي، يلفته العدد الكبير من الملاحم المنتشرة عند مدخل هذا السوق، والكم الهائل من الزبائن الذين يتوافدون «في غالبيّتهم من خارج المنطقة، وحتى من عين الرمانة!» بحسب صاحب إحدى هذه الملاحم أحمد قناني، دون أن يعترف أي منهم بأن ذلك بسبب رخص البضاعة هنا. رغم هذا الإقبال، وبعد جولة واحدة بين بعض هذه الملاحم يصبح السؤال واجباً عن نوعية ما يباع هنا. هل هي لحوم فعلاً؟ فهناك، في ملاحم السوق الشعبي، تتشابه الأشكال المعلّقة عند مداخلها. لحوم أفقدتها أشعّة الشمس لونها الأحمر وغلّفها غبار عوادم السيارات والدراجات النارية التي لا تنفك تمر سحابة النهار. وتأتي أسراب الذباب لتضيف على المنظر «لمساتها» الخاصة، جاعلة إمكانية أكل تلك اللحمة جريمة. مشهد ملاحم مدخل السوق أخف وطأة من زميلاتها في داخله. فهناك، في تلك الدكاكين المقامة تحت ألواح الزينكو، تحار في أمر ما يبيعه اللحامون هنا: لحوم أم ذباب؟ حيث تصبح غزوات الحشرات الطائرة أكثر منها في ملاحم مدخل السوق. لكن، رغم ذلك، يطمئن أصحاب الملاحم زبائنهم بأنّ اللحمة «منيحة، وعرضها على الطريق في الهواء الطلق أفضل من وضعها في البرادات»! كما يقول الجزار عبد الكريم الحجاج. يوافق الزبون أحمد زيدان على ما يقوله الحجاج. ويبرّر موافقته بأنّ «اللحوم طازجة، تأتي يومياً من مسلخ الكرنتينا، لذلك لا داعي للخوف على سلامتها». مع ذلك، كثيرون من أبناء المنطقة يعارضون هذه النظرية، ومنهم علي حمدان الذي يحرم نفسه في أوقات كثيرة من أكل اللحوم، لأنه غير معتاد «على الشراء من الملاحم المكشوفة». وعندما «تعنّ اللحمة على البال، قد أشتريها من إحدى ثلاث ملاحم في الشارع تحمي منتوجاتها بواجهات زجاجيّة». وما عدا ذلك، لا شيء يحمي ما يأكله أبناء المنطقة الفقيرة: فليس هناك مراقبون صحيّون ولا من يسألون ولا من يحزنون.