ناهض حتركتب أسعد أبو خليل مقالاً عن الأردن، من الضروري أن أوضّح ثلاث نقاط تعليقاً عليه:
ـــــ أولاً، لئلا يكون هنالك التباس من أي نوع، أعرّف أبا خليل بأنني وسواي ممن يسميهم، من دون وازع من ضمير، «مدّعي اليسار» الأردنيين، نعارض النظام في عمّان، ما كلفنا ويكلفنا أثماناً باهظة، ولا نشتم الهاشميين، مثله، محميين بالجنسية والإقامة الأميركية.
ـــــ ثانياً، يماهي أبو خليل، بصورة اعتباطية وعنصرية، بين النظام الهاشمي والشعب الأردني. ويفترض أن المعارضة الوحيدة لهذا النظام تأتي من صفوف الفلسطينيين. إن هذه المماهاة التي رسختها فتح، وفسخت بها وحدة الشعبين بعد 1967، هي التي أضعفت المعارضة الثورية والوطنية التي كانت، قبل ذلك، تميّز بين الدولة وأجهزتها والنظام، وبين التيارات الموضوعية داخل النظام نفسه، وبين الدولة والنظام والمجتمع. وكانت هذه التمييزات الواقعية، التي نشط على أساسها البعثيون والشيوعيون والوطنيون، هي التي أتاحت إمكان توسّع الحركة الوطنية وتنويع تحالفاتها، وتنشيط كادراتها، وإطلاق فعالياتها في المجتمع والدولة. وهو ما انتهى بعدما نهجت فتح والقوميون العرب المتمركسون، النهج ذاته الذي نقرأه لدى أبي خليل، أي تصوير الأردن ونظامه ودولته وجيشه وشعبه بوصفه شيئاً واحداً. وهذه النظرة، بالإضافة إلى مضمونها العنصريّ، شلت قدرة المعارضة على الحركة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الفائت، بينما يدل سجل التحركات المعارضة منذ 1989 إلى أن نهوض الحركة الوطنية يرتبط بتظهير الصراعات ـــــ وبالتالي التحالفات المعقدة ـــــ داخل البنية الأردنية، بما فيها بنية النظام نفسه.
ـــــ ثالثاً، بصفتي واحداً من «مدعي اليسار» الذين يضفون صورة «رومانسية» على الشهيد وصفي التل، أوضّح أن رمزيّة التل لدى الشعب الأردني ـــــ وهي راسخة عند كل الاتجاهات السياسية في البلد ـــــ نابعة من مشروع اجتماعي ـــــ سياسي قاده الرجل لتحديث الدولة الأردنية وفق نموذج القطاع العام وانتشال أبناء الريف من الفقر والجهل والمرض. هذا النموذج ـــــ المطابق، في عقدي الستينيات والسبعينيات ـــــ للشروط الأردنية للتقدم، ليس خيالاً، بل هو ما سعت وتسعى الليبرالية الجديدة في العقد الأخير إلى تفكيكه في إطار المشروع الأميركي ـــــ الصهيوني في الأردن. وهو نموذج أعطى الشعب الأردني مكتسبات لا يزال يدافع عنها، ويستذكرها في تكثيف رمزي باسم وصفي التل. ولعلم أبي خليل، فإن أنصار الليبرالية الجديدة في الأردن، ليسوا من الفتحاويين فقط، بل إن حزبَي الجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية، المرخّصين، من أولئك الأنصار المثابرين.