يوماً بعد يوم، تبرز التغييرات التي تشهدها الضاحية الجنوبية منذ بدء عملية إعادة إعمارها بعد الدمار الذي لحق بها إثر عدوان تموز 2006. عمل لم يخل من عقبات كثيرة سياسية وإدارية ومالية، يعرضها مدير مشروع «وعد» المهندس حسن جشي، متوقعاً إنجاز الإعمار نهاية عام 2010، فيما يمكن الحديث عن إنجاز 94 مبنى نهاية آب المقبل
منهال الأمين
سرعة قياسية واكبت انطلاق مشروع «وعد» لإعادة إعمار الضاحية الجنوبية، الذي نجح بعد ستة أشهر من انطلاقته في تأمين الكادر البشري وتوقيع العقود وتلزيم الشركات والمباشرة بالعمل. بعد ذلك بدأت المشاكل بالظهور، بدءاً بالعرقلة من الدولة اللبنانية، وصولاً إلى محاولات إرضاء كلّ أصحاب الشقق السكنية. على الرغم من ذلك، يقترب الوعد من التحقيق كما يقول مدير المشروع المهندس حسن جشي الذي تحدّث عن أبرز محطات «وعد» الذي يقارنه بشركة «سوليدير» التي أعادت إعمار وسط بيروت بعد 15 عاماً من الحرب والتدمير «لكنها استملكت وعوَّضت بإجحاف، فأُفرغت المنطقة من أهلها وأصبحت للأثرياء فقط. فيما انطلقت وعد برؤية وطنية جامعة، فلم تستملك، وسعت لعودة الناس إلى المنطقة، محافظة على نسيجها الاجتماعي لتعود كما كانت بحلة جديدة».
ولدت «وعد» على خلفية حوار جرى بين «حزب الله» و«حركة أمل» من جهة، والحكومة اللبنانية من جهة ثانية، حول آليات إعادة الإعمار صدر على أثره القرار 146 الذي يحدّد آلية التعويض على المتضرّرين، على أن يباشروا الإعمار بأنفسهم. تلا ذلك لقاء جمع الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله بالأهالي، حضره نحو 5 آلاف متضرّر. وقد وعد نصر الله خلال اللقاء بتبني مشروع إعادة الإعمار «لأن التعويضات لا تكفي»، يقول جشي، موضحاً أن العمل انطلق وفق صيغتين. الصيغة الأولى تقوم على تلزيم السكان مبانيهم للشركات، فيما تواكب «وعد» العمل لجهة الإشراف وتغطية العجز المالي. أما الصيغة الثانية فهي التي تباشر وعد من خلالها البناء مباشرة، مقابل أن تتسلّم التعويضات من الأهالي وتتكفل هي بدفع الباقي. وتنطبق الصيغة الثانية على أكثر من 90% من العمل.
مئات بل آلاف المراجعات شهدها مشروع «وعد»، من الأهالي والجهاز الإداري على حدّ سواء، على مدى سنتين ونيّف من عمره جعلت جشي يعدل عن قرارات كثيرة «حتى ما يزعل حدا»، لافتاً إلى أنه أعاد رسم مبنى جديد عندما أعلنت إحدى المالكات أنها «مش مسامحة» إذا نفذ تصميم مبناها خلافاً لرغبتها «ولو تأخر العمل 4 أشهر، فرضى الناس كان أحد معاييرنا وقد حاولنا قدر المستطاع إرضاء متطلباتهم وأذواقهم».
جهات عربية تكفّلت إعادة إعمار الضاحية سحبت عرضها فجأةً
لكن إرضاء الناس لم يمنع من «فرض رؤيتنا الفنية لانتظام الشكل وإضفاء طابع معيّن لكل شارع». وعلى الرغم من أنه «لم يكن حملاً سهلاً»، إلا أنه «لم يكن وارداً أن يترك حزب الله جماهيره تركض وراء الدولة من دون طائل، أو تصبح عودتهم إلى منازلهم حلماً. ونهر البارد لناظره قريب». وهذا ما يفسّر ربما «تراجع عدد كبير من الناس عن بيع شققهم عندما عاينوا المواصفات العالية الجودة التي اعتمدتها وعد»، يقول جشي موضحاً المعايير: خرسانة باطون مقاومة للزلازل، واجهات صخرية، بئر ارتوازي، مواقف سيارات (حيث أمكن)، مصاعد، تشطيب ممتاز (رخام ـــــ غرانيت ـــــ دهان ـــــ بورسلان ...).
رغم ذلك حصل تأخير في مواعيد التسليم يردّه جشي إلى أربعة عوامل: أولاً «تلبية رغبات السكان في إجراء بعض التعديلات والتحسينات، فقد انتظرنا طويلاً حتى يتفق السكان على رأي واحد، واشترطنا الحصول على موافقة خطية من الناس». ثانياً: «العرقلة الحكومية لعمل الشركة من خلال عدم إقرارها بالوكالات التي أخذتها من الناس، مخالفة قرار مجلس شورى الدولة»، كاشفاً في هذا الإطار أن الحكومة «منعت الصندوق الكويتي للتنمية من مباشرة إعادة إعمار الأبنية التي تكفلتها دولة الكويت (13 مبنى) وطلبت منه الاكتفاء بدفع الأموال واعتماد السقف الذي حدّدته هي، أي 80 مليون ليرة للوحدة السكنية، ما أدى أيضاً إلى وجود عجز عملت وعد على تعويضه». كما يكشف أن هناك «جهات عربية تكفّلت إعادة إعمار الضاحية، لكنها سحبت عرضها فجأة من دون معرفة الأسباب. تماماً مثلما انسحبت شركات أجنبية من مناقصات تلزيم رست عليها من دون أية مبررات أيضاً!».
ثالثاً، اضطرار «وعد» إلى إجراء عمليات تدعيم ضخمة منعاً للانهيارات، وحفر الأساسات والبنى التحيتة «علماً بأن التعويض الحكومي لم يلحظ هذا الجانب». رابعاً، قلة اليد العاملة «فاتكالنا كان على العمالة السورية التي تأثّر حجم حضورها بالوضع السياسي».
الخلاصة يقدّمها جشي بالأرقام، حيث تشير إحصاءات «وعد» إلى وجود 5488 قسماً، بينها 3800 قسم سكني، والباقي محال وعيادات ومحطات وقود ومصانع ومدارس وغيرها. وقد تكفلت «وعد» بإعادة بناء 242 مبنى، بينها 100 مدمرة كلياً في المربع الأمني، والباقية منفردة في مناطق مختلفة. وفيما تكفّلت الكويت والسعودية وعُمان بعدد آخر، بقي جزء منها بدون إعمار، إما انتظاراً لحلّ المشاكل بين الورثة أو بناءً على رغبة مالكيها، نظراً إلى وجود إيجارات قديمة. وقد بلغت كلفة الإعمار حتى اليوم 400 مليون دولار (عدا عن البنى التحتية)، ساهمت وعد بـ 220 مليون دولار. أما حجم مساهمة الحكومة اللبنانية فمن المفترض أن يصل إلى 180 مليون دولار، إذا دفعت كامل التعويضات. وقد استوفت «وعد» حتى اليوم 75% من التعويضات التي لم تستكمل الحكومة تسليم الدفعة الأولى منها (نتيجة مشاكل قانونية بين المالكين)، فيما باشرت بالدفعة الثانية بداية هذا الشهر. رغم ذلك سلّمت «وعد» بعض المباني التي لم يقبض سكانها أي قرش من الدولة». ووصل عدد المباني المنجزة حتى الآن إلى 45 مبنى، وسيسلّم 20 مبنى آخر أواخر آب المقبل. ويأمل جشي أن يصل الرقم إلى 100 نهاية العام، على أن يستكمل الباقي خلال العام المقبل. وحتى ذلك التاريخ، ماذا عن مصير وعد؟ يجيب: «بيد حزب الله».