صيدا ــ خالد الغربييتنفس ماسح الأحذية مصطفى الأحمد (11 سنة) الصعداء بعد تضليل دورية للشرطة كانت تتعقبه وسط شارع رياض الصلح في صيدا. يتردد مصطفى بداية في الحديث إلينا، لكنّه يرتاح بعد التأكد من «أننا لسنا من العسكر». ثم يروي بثقة كيف «استطلع» رفيقه عبد القادر حمادة شارعاً متفرّعاً من الشارع المذكور للتأكد من خلوّه من أية عناصر بلدية، ليعطي بعدها إشارة الاطمئنان إلى كل من الأحمد وماسح ثالث بولوج آمن لهذا المتفرع من الشارع الأم «فدخل الثلاثة هذا الشارع المتفرع آمنين مطمئنين».
يتحدث مصطفى عن سعادته في تضليل عناصر الشرطة البلدية فيقول: «زمطت من الحبس، فالشرطي أنذرني أمس بعدما شمط أذني بأنه سيضعني في السجن إذا شاهدني مرة ثانية». هنا يأخذ عبد القادر طرف الكلام، لافتاً نظر مصطفى إلى «عدم تصديق كل كلمة يقولها العسكر». وفي رده على التساؤل عما إذا كان وجود ثلاثة من ماسحي الأحذية في مكان واحد يقلّل من حصة ما يجنيه كل واحد منهم ونصيبه، يقول عبد القادر: «كل مين بيأخذ نصيبه، فالرزقة على الله حتى لو كان بمفرده».
في شوارع صيدا، غالباً ما تطارد شرطة بلديتها ماسحي الأحذية، على اعتبار أن انتشارهم العشوائي في الشوارع يسيء إلى المدينة ويسبب الفوضى. لكن يبدو أنّ القرار غير صارم، إذ إن بعض عناصر الشرطة لا يتشددون في تنفيذ إجراءات كهذه فيغضون النظر عن تعقب «البويجيي»، يدفعهم إلى ذلك تحسسهم بمعاناة الناس والفقراء وأولئك الفتية الذين «رأسمالهم شوية لون وصندوقة وفرشاية». يقول ذلك أحد عناصر الشرطة الذي طلب منا عدم ذكر اسمه. ويردف: «شو بدنا ندق ونتمرجل على المعترين».
يتجوّل مصطفى منذ ثلاث سنوات في شوارع المدينة بحثاً عن «الرزق الحلال بعيداً عن التسوّل»، كما يقول. ويشير إلى أنّه لم يدخل المدرسة في حياته لكونه لا يملك هوية لبنانية (فهو من فئة جنسية قيد الدرس)، ولو استطاع إلى العلم سبيلاً لفضّل «دراسة المحاماة للدفاع عن الفقراء». يميز مصطفى بين ثلاثة أنواع من الزبائن: زبون عادي يدفع 500 ليرة والريس 1000 ليرة والكبير الذي يدفع ثمن مسح الحذاء ما يزيد على ألف ليرة.
يلفت الشبان الثلاثة إلى أن مهنتهم في مسح الأحذية توفر لهم من 10 إلى 15 ألف ليرة لبنانية في اليوم الواحد. ويعتمدون نظاماً موحداً في توزيع «دخلهم اليومي»، فيتقاسمه كل منهم مناصفة بينه وبين والده. ويكشف الأحمد أنّ زبائنه ما عادوا يقتصرون على الرجال فقط، بل على السيدات أيضاً. «بويا بويا شغلي وملا شغلي» يغني الثلاثة جازمين بأنها مهنة لم تعد كما كانت سابقاً «بس شوفيها غلة».