كلاب الشوارع مصدر للإزعاج ولنقل الأمراض. الظاهرة عالمية وموجودة في كل المدن والقرى. لكن إذا ما أضيف إليها في لبنان المكبات العشوائية، «المرعى» المثالي لها، فإنها تصبح أكثر تعقيداً و.. خطورة. أما معالجة الدولة فتقتصر على تدخلات بدائية إلى كونها غير مجدية، فهي مضرة بالبيئة. فالبلديات تستخدم السم والرصاص للتخلص منها، لكن الكلاب النافقة سرعان ما تورث مناطقها لأخرى
بسام القنطار
من طرابلس إلى صيدا فصور مروراً بالمناطق كلها، وصولاً إلى بيروت، تنتشر الكلاب الشاردة بكثافة: تنبح، تعض، تقلب حاويات النفايات، تخيف المارة ليلاً. لم تفكر البلديات يوماً في إقامة زرائب لحجزها، وتكافحها كما تكافح الحشرات والفئران بالتسميم والقتل بالرصاص، ما يرتب كلفة عالية وغير صحية أو ذات جدوى. أما وزارتا البيئة والزراعة فلم تفكرا يوماً في مقاربة الظاهرة. ومعظم جراء كلاب الشوارع هي بالحقيقة فائض من «الناتج القومي» التناسلي لكلاب البيوت. فهذه الأخيرة تتكاثر بكميات كبيرة ولا يجد أصحابها سبيلاً للتخلص منها، في غياب من يتبناها. لذا يرميها الناس في الشوارع. وهناك تتعرض للدهس والتنكيل والقتل، لكن عدداً كبيراً منها، ينجح بالبقاء، مؤمناً بذلك الاستمرارية لأجيال أخرى من الكلاب الشاردة.
وعلى امتداد خريطة لبنان، كانت «المواجهات» حامية بين كلاب الشوارع والناس. فهنا لحقت بسيدة ليلاً، وهنا عضت مواطناً نقل إلى المستشفى، ما استلزم تكوين نوع من مجموعات «للأمن الذاتي» من السكان حاولت على طريقتها مكافحة الظاهرة، ولم تنجح، بالطبع.
يوافق الطبيب البيطري فضل الله منير على أن الظاهرة تتنامى، ويقول لـ«الأخبار»: «صحيح أن الناس يحبون الجراء لكونها لطيفة وناعمة الملمس، لكن تربيتها منوطة بالكثير من الصبر والاستثمار. فتكاليف تربية جرو في عامه الأول تفوق تكاليف الاحتفاظ بكلب بالغ. فهو يحتاج لطعوم، ولطعام خاص. لكن، غالباً ما تطرد خارج المنزل بعد أول تبول أو قضم حذاء».
يضيف: «المشكلة ليست فقط في الجراء، فهناك الكثير من الكلاب الأصيلة البالغة التي يفضل اللبنانيون التخلص منها بسبب السفر أو الضائقة الاقتصادية، لذلك نجد أن عدداً كبيراً من الكلاب يُرمى في الشارع».
الناشطة في جمعية «حيوانات لبنان» مارغريت شعراوي تعمل لتحسين ظروف الحيوانات. وتلفت إلى أن الحل الأمثل للتخفيف من الظاهرة هو خصاء ذكور الحيوانات وتعقيم إناثها، ما يخفف من أعدادها ويمنعها من التعرض للإصابات في حروب الذكور، التي تدور حول الجري وراء أنثى شبقة.
الخصاء يخفف إصابات الكلاب واختفاءها جرياً وراء أنثى شبقة
وتؤكد شعراوي أن هذا الإجراء، كما أثبتته الدراسات، هو الطريقة الفعالة الوحيدة. فـ«نقل الحيوانات إلى مراكز أخرى لا ينفع، لأن حيوانات أخرى غيرها ستأتي مكانها. فضلاً عن صعوبة أسر جميع الحيوانات وإيجاد منطقة أخرى لنقلها. أما إطلاق النار والتسميم فقد يكون خطيراً، وهو طريقة غير إنسانية وكثيراً ما تحتضر الحيوانات أياماً عديدة، ما يجعل بعضها شديد العدوانية وبالتالي خطيراً. بالإضافة إلى أن إطلاق النار والتسميم ليسا عمليين من حيث التكلفة». وتعتبر شعراوي أن الحل كما تبين في جميع أنحاء العالم، «هو برنامج سليم وإنساني لخصاء الحيوانات وإعادتها إلى مركزها الأساسي. وهو برنامج بدأنا به بالتعاون مع نقابة الأطباء البيطريين في لبنان». وأعلنت شعراوي أن الجمعية تعاقدت مع 6 أطباء بيطريين لإجراء عملية الخصاء أو العقم، بتكلفة لا تتجاوز 25% من القيمة الإجمالية البالغة 120 دولاراً للذكور، و200 دولار للإناث، إضافة إلى إجراء التحصينات اللازمة، وخصوصاً ضد داء الكلب وغيرها من الأمراض.
وتضيف: «تسلم الجمعية قسيمة للأشخاص الراغبين بإجراء العملية للكلاب أو القطط التي يلتقطونها، وفور تسليم القسيمة إلى الطبيب يبادر إلى إجراء العملية». وتلفت إلى أن الجمعية تطمح إلى توسيع المشروع ليشمل بلديات المناطق، لكن الخطوة تحتاج لمزيد من الوقت والإمكانات. كما تعمل الجمعية على إنشاء مركز متخصص للتثقيف على الرفق بالحيوانات، ويهدف المركز إلى العناية بالحيوانات، وتمكينها، إضافة إلى تشجيع الناس على خصاء حيواناتهم».
وتعتبر شعرواي «أن نجاح المشروع في لبنان سينظر إليه دولياً كخطوة إيجابية، لأن لبنان لا يتبع الطريقة الأنسب والإنسانية للتعامل مع الحيوانات. وبالتالي فإن هذا البرنامج ستكون له فائدة كبيرة من نواح عديدة، منها السياحة، والصحة، والنظرة الشاملة إلى لبنان كبلد رؤوف بالحيوانات».
وأكدت شعراوي أن إعدام الكلاب الشاردة سواء عن طريق القتل أو التسميم، يسبب الكثير من المشاكل البيئية والصحية، وخصوصاً لجهة صعوبة التخلص من الجثث. ومن شأن عملية الخصاء أن تخفف من شراسة الكلب وتقلل من احتمال مهاجمته البشر. علماً بأن عدداً من البلديات قد بدأت بالتفكير جدياً بتنفيذ هذه التقنية وبينها بلدية صيدا». أما بالنسبة إلى الحل الذي تقترحه بعض جمعيات الرفق بالحيوانات من «موت رحيم» فإن شعراوي لا توافق «لسنا مع هذه الفكرة، فعمليات الخصاء والعقم هي الحل الأمثل».
لكن بعض أصحاب الكلاب يتخوفون من تغيير تصرفاته حيث قد تؤدي عملية الخصاء إلى تسمين الحيوان أو تغير مزاجه، عن هذا يجيب د. منير بالقول إن «هذه الظواهر قابلة للخفض بواسطة العلاج الصحيح. وأن تأثيرات التعقيم والخصاء السلبية قليلة مقارنة بالخطر الذي قد يتعرض له الكلاب، وخاصة الكلبة من عدم إجراء العملية الجراحية».
ويشير منيّر إلى أن الحاسة الجنسية وحاسة الأمومة عند الكلاب بعكس البشر ناتجة من الهرمونات فقط. فالتعقيم والخصاء يمنعان فعالية الهرمون دون الإحساس بفقدان أي شيء. وبالعكس من الإنسان ليس عند الكلاب التشوق إلى القيام بدور الأب والأم، كما أنها لا تستطيع السيطرة على عدد الولادات.
ويختم: «إنّ تعقيم أنثى الكلاب يمنع عنها عدوى الرحم ويجنبها التعرض للسرطان. كما أن خصاء الكلب يقلل من التعرض لسرطان الخصيتين والبروستات. وبالإجمال فإن الكلاب التي جرى خصاؤها أو تعقيمها هي أكثر ارتياحاً واعتدالاً بتصرفاتها».