حسام كنفاني


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

حطّ المبعوث الأميركي جورج ميتشل، وسيحط، في الأراضي العربية حاملاً في جعبته موضوعاً وحيداً وفريداً عنوانه الدبلوماسي «خطوات إيجابية تجاه إسرائيل»، وحقيقته هي التطبيع العربي الشامل. ميتشل، ومن خلفه مسؤولو الإدارة الأميركية، يقدّمون التطبيع على أنه مفتاح الدخول إلى «جنّة السلام» في الشرق الأوسط، على اعتبار أنه سيكون أساسيّاً لمقايضة وقف الاستيطان الإسرائيلي، أو تجميده مؤقتاً، في الضفة الغربية والقدس المحتلة والدخول في جولة جديدة من المفاوضات، والوصول في نهاية المطاف إلى اتفاق السلام المنشود، وبالتالي «الدولة الفلسطينية»، بغضّ النظر عن هيكليتها التي وضعها بنيامين نتنياهو؛ فالمهم بالنسبة إلى الأميركيين، وحتى بعض الفلسطينيين والعرب، أن يكون هناك مسمّى «دولة فلسطينية» وحسب.
الإصرار على «فوائد» التطبيع، الذي أبداه المبعوث الأميركي في القاهرة وتل أبيب والقدس المحتلة، سينقله معه إلى الإمارات العربية المتحدة والبحرين، التي يبدو أنّها كانت أوّل المتعاونين مع الدعوات الأميركية المتلاحقة لـ«اتخاذ خطوات بنّاءة». إذ عمد ولي العهد البحريني، الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، إلى الدعوة إلى تواصل عربي مع وسائل الإعلام الإسرائيلية بذريعة «التوجه مباشرةً إلى الجمهور الإسرائيلي لشرح وجهة النظر العربية»، أو ما يمكن وصفه بأنه «تطبيع إعلامي».
ميتشل كان أوّل من رحّب بتصريحات الشيخ سلمان، التي جاءت بعد موجة من الدعوات الأميركية إلى اتخاذ «مبادرات فوريّة»، كما سمّتها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، تجاه إسرائيل.
«المبادرات» هي أيضاً رغبة جامحة للرئيس باراك أوباما، الذي بدأ يشعر بـ«الإحباط» من فشل جهود مبعوثيه. وهو تحدّث بأسى، خلال استقباله مجموعة من رجال الدين اليهود، عن رفض عربي للتجاوب معه، ووصف ذلك بأنه «افتقار إلى الشجاعة».
لكن الرئيس الأميركي ووزيرة خارجيته لم يوضحا عن أي «شجاعة» أو «مبادرات» يتحدثان. ربما على أوباما خصوصاً أن يراجع تاريخ المبادرات العربية تجاه إسرائيل، أو «الشجاعة» التطبيعية التي كانت تسير على قدم وساق في غالبية الدول العربية، حين كانت المفاوضات تسير في منحى تصاعدي بعد اتفاقات أوسلو. وإذا كان أوباما لا يذكر، فلا بأس في أن تذكّره كلينتون، وهي التي عايشت الفترة الذهبية للمفاوضات العربية ـــــ الإسرائيلية، خلال ولاية زوجها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، الذي رعى اتفاقي أوسلو ووادي عربة، واحتضن واي بلانتيشن وواي ريفر وكامب ديفيد، وجمع للمرة الأولى وزير الخارجية السوري آنذاك، فاروق الشرع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إيهود باراك.
لا بأس بأن «تبادر» رئيسة الدبلوماسية الأميركية إلى تذكير رئيسها بحالة الانفتاح العربي العلني غير المسبوق على إسرائيل في الفترة من عام 1994 إلى عام 2000 كحد أدنى، التي تجلّت بمكاتب الارتباط الإسرائيلية التي فُتحت في المغرب وتونس والبحرين وسلطنة عمان وقطر، وبالسفارة الإسرائيلية في موريتانيا. ولا ضير من مراجعة التسجيلات المصوّرة للقاءات العربية ـــــ الإسرائيلية العلنية في المؤتمرات الإقليمية والدولية؛ فخلال سنوات التفاوض وما تلاها في عهد حكومة إيهود أولمرت، لم تكن هناك حال قطيعة عربية ـــــ إسرائيلية بكل ما للكلمة من معنى، بل كانت الكاميرات تلتقط بسهولة ضحكات وهمسات بين المسؤولين الإسرائيليين ونظرائهم العرب، وخصوصاً الخليجيين، باستثناء السعوديين الذي حرصوا على عدم الظهور في إطار واحد مع مسؤولي الدولة العبرية.
لكن لا شك في أن الإدارة الأميركية تملك محاضر وتسجيلات وافية للاتصالات العربية ـــــ الإسرائيلية السريّة، بدءاً من الملك الأردني عبد الله الأول وخفايا النكبة، مروراً بالملك المغربي الحسن الثاني والتعاون الاستخباري مع الدولة العبرية للتنصت على القمم العربية السبع التي استضافها المغرب، وصولاً إلى اللقاءات السريّة السعودية ـــــ الإسرائيليّة، التي كشفت عنها الصحف العبرية والغربيّة.
وإذا كان هذا غير كافٍ بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، فلينظر أوباما وكلينتون إلى غضّ الطرف العربي الواسع عن لوائح مكتب المقاطعة التابعة للجامعة العربية، الذي تحوّل إلى شاهد زور على حال الفلتان التطبيعي الذي عاشته، وتعيشه، الساحة العربية، إلى حد فتح فروع للمؤسسات التجارية الإسرائيلية في بعض المدن الخليجية، من دون الحاجة إلى التحايل على القانون وتغيير اسمها.
ولمَ لا يراجع الرئيس الأميركي تاريخ المبادرات العربية، بدءاً من الاعتراف بالقرار 242 وحدود عام 1967 وبالتالي الاعتراف الضمني بإسرائيل، مروراً بمبادرة الأمير فهد في قمة فاس الثانية عام 1982، وصولاً إلى المبادرة العربية، وما تحتويه من اعتراف رسمي بالدولة العبرية؟
مراجعة لا شك ستكشف لأوباما، ومعه هيلاري كلينتون، تاريخاً طويلاً من «الشجاعة» و«المبادرات» والتطبيع العربي الذي لم يوصل إلى نتيجة، بل بقي في خانة مكاسب إسرائيل ولم يحصد العرب، والفلسطينيون، سوى المزيد من الخيبات. ورغم ذلك، فإن الإدارة الأميركية ستحظى بدعم لمبادرتها الجديدة، وستجد في المنطقة من سيكون مستعداً لأن «يُلدغ من الجحر مرتين» وربما أكثر.