في تطوّر لافت، أفتى أمس المرجع السيد محمد حسين فضل الله بالموقف الشرعي تجاه القضاء على الكلاب الشاردة «الأصل هو الرفق بالحيوان، لكن إذا كان في سلوكه خطر على حياة الناس كالكلاب الشاردة الشرسة، فيجوز قتلها، وعلى المسؤولين إنقاذ الناس منها». كذلك، أصدر محافظ النبطية محمود المولى تعميماً إلى البلديات والقائمقاميّات في المحافظة طلب فيه «العمل الفوري على التخلص من الكلاب الشاردة ضمن نطاق كل بلدية
كامل جابر
دقائق من العراك المستحيل، خاضتها حياة مروة حمدان (48 عاماً) مع كلب ضالّ شرس في شوارع النبطية، دقائق مرّت عليها كأنها ساعات، تحاول أن تفلت من أنيابه، بعدما نهشها في مختلف أنحاء جسدها، ولم تستطع النجاة إلا بعدما تمكنت منه بضربه بحجر، ثم أكمل الجيران وقتلوه بعد ساعة من عراك، أسفر عن وقوع 4 جرحى. تكررت مثل هذه الحادثة، التي جرت صباح الاثنين الفائت، خلال العقدين الفائتين، ولطالما ترددت في أرجاء المدينة «خبرية» إصابة فلان بعضّة كلب، أو إفلات هذا أو ذاك من هجوم قطيع من الكلاب طارده في أزقة المدينة أو عند تخومها. أما البلدية الحالية، أو من سبقها، فكانت تتذرع دائماً لعدم مكافحتها هذه الظاهرة المتنامية، بعدم وجود... فتوى تجيز قتل هذه «الأرواح» إن لم تثبت أذيّتها للناس!
وبغضّ النظر عن قانونية لجوء دائرة رسمية إلى... سلطة دينية، لتستمد منها تشريعات عامة، تدحض شهادة أحد أعضاء المجلس البلدي الذي تمنى عدم ذكر اسمه. «كلفت البلدية مواطناً يسمّى صالح بقتل الكلاب الشاردة في النبطية، ونفّذ الأمر بحق العشرات منها، ثم جاء بعد مدة وأبلغ أنه لن يكرر الأمر لأن هذا القتل بات يمثّل له نوعاً من التوتر والقلق والخوف».
قبل أسابيع هاجم أحد الكلاب الشاردة موظفاً ونهشه بيده
لكن ما حدث لحياة حمدان يتطلب سلوكاً آخر من البلدية غير «الغنج» بانتظار الحصول على فتوى، أو البحث عن حل سلمي لهذه المشكلة العويصة؛ إنها معركة حقيقية من أجل الحياة، ترويها من وقعت ضحية أنياب الكلب بما يشبه الرعب، إذ تقول: «كانت الساعة العاشرة، عندما خرجت إلى الحقل وشاهدت كلباً يحمل بين أنيابه أوزّة سرقها من حديقتنا، وكان يتوجّه بها نحو أحد الأبنية المهجورة، وما إن شاهدني حتى أفلت فريسته، وهاجمني، حاولت الفرار، غير أنه استطاع أن يقفز عليّ ويرميني أرضاً، ثم راح ينهشني ويعضّني في أنحاء جسمي، محاولاً الوصول إلى عنقي، وهنا بدأت معركتي معه، فوضعت كفّي على عنقه الذي كان الورم بادياً على أحد جانبيه، وصرت أحاول خنقه، فيما كان يشتد شراسة».
تضيف حياة: «بعد هذا العراك الطويل، تمكن من إمساكي بثوبي وراح يسحبني مسافة عشرين متراً، وأنا تحته أصرخ مستنجدة بأصحاب المحال التجارية والصناعية القريبة، وتمكنت من القبض على حجر ورفعت نفسي وصرت أضربه على رأسه حتى أفلتني. وزحفت نحو البيت، هنا خرج أولادي من المنزل وشاهدوني بهذه الحال المرعبة وصاروا يصرخون ويستنجدون بالجيران، ركضت نحو مدخل المنزل وعندما رآني الكلب مع أولادي، هاجمنا ثانية، هنا أصابتني حال من الرعب الشديد، فمعركتي هذه المرة من أجل أولادي وهجمت باتجاهه وأنا أصرخ، ومع قدوم عدد ممن سمعوا استغاثتي، فرّ نحو بناء مجاور».
ولاحقاً اتصل أبناء حياة بوالدهم الحاج ماجد حمدان، مدير مكتب السيد محمد حسين فضل الله في النبطية، الذي أتى وتعاون مع الجيران على قتل الكلب، بعدما أصاب أربعة آخرين بجراح طفيفة. وبناءً على إشارة أحد رجال الدرك، قطعوا رأس الكلب من أجل إرساله إلى وزارة الصحة وفحصه «بيد أن شخصاً في المستشفى الحكومي في النبطية أبلغنا أن الوزارة لن تهتم وأن لا ننسى أننا في لبنان»، يقول حمدان.
نقلت حياة إلى المستشفى للعلاج وتلقي مضادات لداء الكلب؛ فيما انتشر الذعر بين المواطنين، وخصوصاً في المنطقة الواقعة بين غرب النبطية وشرق زبدين، قرب مركز كامل جابر الثقافي، حيث يمارس العديد من أبناء النبطية والجوار رياضة المشي. وقد تذكّر العديد من المواطنين روايات عن مهاجمة كلاب شاردة لهم وعن «العناية الإلهية» التي جعلتهم يفلتون منها.
أما بالنسبة إلى الفتوى التي يقال إن البلدية طلبتها، يؤكد حمدان أن «أحداً من بلدية النبطية لم يراجعني أو يسألني مرة عن فتوى تجيز قتل الكلاب، مع العلم بأنني مدير مرجعية دينية وروحية كبيرة. منذ مدة أبلغنا البلدية بموضوع الكلاب الضالّة التي باتت تمثّل خطراً على الناس، ولكن لم نجد آذاناً صاغية، ربما لأن هذا الأمر ليس من الاهتمامات الموجبة، حتى حصل ما حصل».
يضيف: «برغم ما جرى وكاد أن يودي بزوجتي أو أحد أولادي، واتصالنا بالمجلس البلدي، لم نر استجابة جدية؛ وربما لن نرى في القريب العاجل معالجة مسؤولة لهذه المشكلة المزمنة. فقبل أسابيع هاجم أحد الكلاب موظفاً في جمعية مجاورة ونهشه بيده، وهناك العديد من الحوادث التي تبرهن خطورة هذا الأمر، وخصوصاً أن هذه الكلاب تقصد مجمعات النفايات التي تتراكم في المنطقة، ويبدو أن بعضها مصاب بأمراض خطيرة».
من جهته، رأى المسؤول الإعلامي في بلدية النبطية د. عباس وهبي أن هذه المشكلة «تتجدد مع كل حادث جديد يقع، من كلاب شاردة تستشرس ويحلّ بها المرض؛ ما حدث منذ يومين أمر مؤسف جداً، لكن ما هو الحل؟ سهل أن نحمل بندقية ونقضي على جميع الكلاب الشاردة، لكن وراء الأكمة ما وراءها، هناك عائق شرعي (ديني)، لذلك نتمنى على أصحاب الشأن إصدار الفتاوى الشرعية»، (الأمر الذي حصل أمس اخيرا).
لكن بلدية النبطية قتلت قبل الآن العديد من الكلاب من دون فتوى شرعية؟ «البلدية قامت بإجراء سابق، لكن عائقاً شرعياً ظهر وتعالت أصوات الاستنكار بأن هذا الأمر غير شرعي ووقعت البلدية بين المطرقة والسندان، ما أحرج الرئيس وأعضاء المجلس».
وقال: «لقد آن الأوان لحسم هذه المسألة، من المعيب أن تبقى هذه الكلاب تهاجم الناس ونحن نقف متفرجين؛ الأمر يحتاج إلى تعميم من وزير الداخلية والبلديات يفرض على البلديات ضمن خطة موضوعية التخلص من هذه الكلاب، لأن هذا الموضوع ليس بيد بلدية النبطية وحدها، بل يعني اتحاد بلديات الشقيف وجميع بلديات القضاء».