strong>زياد منى*جمهور جاد المليح المفجوع بإخفاقه في القدوم إلى لبنان والباحث عن الضحك أنصحه بالنظر في حفلات فكه يشهدها يوميًا المسرح الإعلامي العربي. استمعوا على سبيل المثال إلى تصريحات صائب عريقات أو ياسر عبد ربه وبقية رجالات الجنرال الأمريكي دايتون في مقر المقاطعة في رام الله عن فلسطين وحقوق شعب فلسطين والشرعية والحريات و و و . . ألا تجعل أكثر البشر عبوسًا يقع على مؤخرته من الضحك! بل يكاد يموت من الضحك.
وإليكم أيضًا إعلام التكفيريين البترودولاري الذين لا يملون من لفت الانتباه إلى الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، الغائبة فقط في إيران وكوريا الشمالية، وقبل فترة قصيرة أيضًا في سورية، والصامتة عن قطع رؤوس البشر وبتر أطرافهم وتعليق بقايا أجسادهم على مداخل مدن في جزيرة العرب.
والباحث عن الفكه يمكنه أن يعثر عليه في تصريحات فخامة الرئيس الأمريكي براك حسين أوباما، خصوصًا عندما يتحدث عن التزام بلاده بالديمقراطية والحريات والمساواة في العالم، وفي فلسطين وإيران والعراق على وجه الخصوص، مع أنه يمثل دولة ترتكب من الشرور والتعدي على البشر الآمنين البريئين يتجاوز بإضعاف كل ما ارتكبته الدول الإمبريالية مجتمعة في العصور الحديثة، ولينظر إلى لون بشرته.
ولا ننسى تصريحات نوري المالكي التي دعا عبرها الولايات المتحدة إلى عدم التدخل في شؤون بلاده الداخلية . . ها ها ها.
وحتى لا يشكك أحد في مفهومنا للكوميديا، نقول: إن سبب الضحك هنا ليس الأقوال بالدرجة الأولى، وإنما أصحابها الذين يظنون أن العالم غبي ليصدقهم، ولذا فالضحك من الأعماق على هبلهم ووقاحة استخفافهم بعقول البشر.

الأنظمة العربية دخلت فلسطين في أيار عام 1948 بهدف تسهيل قيام الكيان الصهيوني
دعونا من هذا ولنلتفت إلى الكوميديا بامتياز عندما تنطلق من ثغر معالي وزيد داخلية الأردن نايف القاضي الذي اكتشف أخيرًا مؤامرة على الأردن حيث قال، فيما قاله: [إن الأردن] يقاوم مشروعًا إسرائيليًا لتصفية قضية اللاجئين على حسابه . . من خلال حملة هدفها تشويه صورة الأردن خدمة لمشاريع مشبوهة . . .
معالي الوزير، لمن لا يعلم، وعلى ذمة ما أوردته صحيفة أردنية بعثي سابق، ويبدو أنه جرب الناصرية أيضًا، ولم يترك مدرسة أو جامعة أو كلية في الأردن وسورية والعراق ومصر تعتب عليه، ويبدو أن كل شيء في تكوينه السياسي "سابق" لأن الأمر انتهى به، كما كثر من اليسار العربي، في أحضان عدوه، السابق طبعًا، أي عند أردن الحسين، خادمًا من أعماق قلبه نظام ذوو عون الذي كان يريد إسقاطه – ظاهريًا على الأقل.
تاريخ الأردن، معالي الوزير، وأسباب تشكيله في أروقة قسم الشرق الأوسط في الإسكندرية برآسة ونستن تشرشل في وزارة المستعمرات البريطانية، فمعروف إلى حد كبير، وسجلته الأكاديمية الأمريكية د ماري ولسن في كتاب "عبد الله وشرق الأردن بين بريطانيا والحركة الصهيونية" حيث تشرح فيه، اعتمادًا على مقابلات مطولة، ضمت فيمن ضمت أعضاء من العائلة الحاكمة في الأردن وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير حسن بن طلال، عم صاحب الجلالة مليكنا المعظم عبد الله بن الحسين، ووثائق أصلية، بريطانية وصهيونية وعربية، ولادة شرق الأردن منطلقًا لإعادة تشكيل المشرق العربي على أسس "تصريح بلفور" بعيد انتهاء الحرب الإمبريالية الأولى وهزيمة تركيا وتفكيكها.
هدف خلق شرق الأردن (الأدق: عبر الأردن "Transjordan")، وهو اسم توراتي تم إخراجه من كتابات المستشرقين والمبشرين التوراتيين الإنغليز "البروتستانت" في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تم تماشيًا مع نص تصريح تشرتشل وروحه القائل: "تم تعيين عبد الله بن الحسين حاكمًا على عبر الأردن أميرًا تحت التجربة لمدة ستة أشهر بمعاش شهري مقداره . . . وتناط به مهمة منع النشاطات "الوطنية" المعادية للفرنسيين في سورية "سورية ولبنان" وتسهيل تشكيل الوطن القومي اليهودي في فلسطين". تلك كانت مهمة النظام الأردني منذ ولد، ولم تتغير حتى لحظة كتابة هذه الأسطر.
كلنا يعلم أن الأنظمة العربية دخلت فلسطين في أيار عام 1948 بهدف تسهيل قيام الكيان الصهيوني العنصري، وتجريد الشعب الفلسطيني من سلاحه ومنعه من المقاومة، ومن ثم شطب اسم فلسطين من الخريطة العربية وبالتالي من الوعي العربي القومي.
هذا تمامًا ما جعل النظام الأردني يعمل دومًا على طمس فلسطين. فذلك القسم من فلسطين الذي اتفقت الدول الإمبريالية الغربية والحركة الصهيونية وأذنابها من الحكام والسياسيين العرب على تركه خارج السيطرة الصهيونية ليتم تجميع فيه الفلسطينيين المطرودين من بلادهم، ترك لعبد الله "مكافأة" له لتواطئه على فلسطين، مهد أول القبلتين وثالث الحرمين، وشعبها، ولتشكل مصدر دخل مملكته الكاريكاتورية الناشئة حيث لم يتجاوز عدد سكان عمان في عشرينيات القرن الماضي ثلاثة آلاف نسمة.
هذا فعلاً ما تم، فمسح النظام الأردني اسم فلسطين من التداول السياسي، وصار ذلك "الكشك"، الذي تحول بقدرة قادر إلى مملكة مقبرة اسم فلسطين. فأزيل اسم الأرض المغتصبة وشعبها من الجغرافيا، وذلك القسم من البلاد الذي منحه الغرب لعبد الله، صار "الضفة الغربية"، وأضحى اسم سكان المملكة العتيدة: العائلة الأردنية الواحدة.
قوات النظام الأردني تصدت لاسم فلسطين بكل ما لديها من وسائل، وثمة آلاف التسجيلات التي تظهر حكام البلاد يصرحون فيها بأنه «لا يوجد فلسطيني وأردني! ممنوع هذا الكلام . . كلنا أردنيون!»، وقد عايشت مطربة لبنانية تطبيقًا جسديًا لهذه السياسة في أحد مطاعم عمان عندما حاولت التحريض على الفلسطينيين في منتصف السبعينيات. وكاتب هذه الأسطر، وغيره عشرات الآلاف، عايشها على نحو آخر عندما انقضت قطعان قوات البادية عليه وعلى المارة في بلدة شعفاط القريبة من القدس، وأجبروا على الوقوف على طرف الشارع ساعات تحت الشمس اللافحة لتحية جلالة الملك الحسين بن طلال، سليل العائلة الهاشمية، المغفور لذنوبه، وللهتاف له عندما كان مروره بالبلدة في طريقه إلى "قصره" في بيت حنينا.
وعدما طرح الصحفي المصري المرحوم أحمد بهاء الدين في مطلع الستينيات اقتراح تغيير اسم "المملكة الأردنية الهاشمية" إلى "المملكة الفلسطينية" كي تجذب كل الفلسطينيين إليها وتحفزهم على الانخراط في عملية تحرير بلادهم، ارتعد ذلك النظام ورفضه جملاً وتفصيلاً . . والشواهد الأخرى لا حصر لها.
الكتابة عن تاريخ نشوء الدولة الأردنية يستحق مجلدات، وما يمكن استخلاصه من كل الوثائق والتطورات التاريخية يوصل إلى نتائج لا يمكن أن يُعد أي منها "مقاومة مشروع إسرائيلي لتصفية قضية اللاجئين"..
على العكس، يمكن القول: إن قيام الدولة الأردنية شكل بحد ذاته ذروة المؤامرة الأكبر وبدايتها على قضية فلسطين وشعبها حيث انخرط ذلك النظام في المشروع الأوربي-الصهيوني منذ اللحظة الأولى وعمل على تحقيقه وضمان استمراره بمنتهى الحماس والإخلاص. هذا ما تؤكده الإثباتات التاريخية.
ورب سائل عن سبب ارتعاد النظام الأردني من تطورات مستقبلية محتملة؟! يبدو أن ذلك النظام أدرك أن دوره في الرحيل قد دنا، بعدما صار أغلب حكام العرب مثله، يطلبون ود العدو الصهيوني وحمايته، وصار حملاً زائدًا وجب التخلص منه.
ذلك النظام الخائف من المستقبل يرى اندحار الاحتلال الأمريكي من العراق، وقبل ذلك في الصومال، وفي لبنان، وقريبًا في أفغانستان، وأن الاستعمار الغربي واجه انتكاسات خطيرة وهزائم ألحقتها به سواعد مقاومين أبطال في لبنان والعراق، وأنه على استعداد للتضحية ببيادقه كما فعل من قبل في فييتنام وتشيلي وبنما وإيران الشاهنشاية... فصار آخر البيادق يتحسسون رقابهم ما جعلهم يملئون الدنيا صراخًا عن "مؤامرات صهيونية... " عليه، ولنا عودة لهذا.
هذا الصراخ والعويل لا ينطلي على أحد حيث نعلم جميعنا مقولة: . . . ولكن لا يمكن الكذب على كل الناس طوال الوقت.
* كاتب فلسطيني مقيم في برلين