خريف لبنان لن يمر بسلام. فإضافةً إلى موسم الأنفلونزا العادية التي تبدأ في أيلول، يُتوقع أن تشتد موجة أنفلونزا «إيه أتش1 أن1». اللقاحات الخاصة بالفيروس لن تظهر قبل تشرين الثاني، أي بعد فوات الأوان، وحتى لو وجدت فإن اتحاده المحتمل بفيروس آخر قد يولّد ثالثاً جديداً، فيصبح اللقاح غير مجدٍ. أما وزارة الصحة فتستعد لمرحلة يُتوقع فيها إصابة ربع اللبنانيين بالوباء... على أقل تقدير
بسام القنطار
في انتظار أن تصدر نتائج الفحوص المخبرية لجثة الياس نعمة الله، الشاب اللبناني ابن بلدة صغار البترونية، الذي توفي أول من أمس في مستشفى «أوتيل ديو»، فإن لبنان لم يدخل في خانة الدول التي سُجلت فيها حالات وفاة بسبب أنفلونزا «إيه أتش1 أن1».
وفي وقت سبّب فيه خبر وفاة هذا الشاب الذي كان يعاني اشتراكات مرضية عديدة، بينها سرطان الغدد اللمفاوية، هلعاً كبيراً لدى اللبنانيين، ولدى أبناء بلدته تحديداً، أعلنت وزارة الصحة العامة الانتقال إلى مرحلة جديدة على صعيد الترصّد الوبائي وإجراءات معالجة أنفلونزا «إيه أتش1 أن 1» في لبنان.
ودعا وزير الصحة د.محمد جواد خليفة في مؤتمر صحافي عقده أمس في مقر الوزارة في المتحف، إلى عدم الهلع، رغم توقّع منظمة الصحة العالمية أن يبلغ الفيروس الجديد ذروة انتشاره مع حلول فصل الخريف، موسم الأنفلونزا بجميع أنواعها.
وقد لفت خليفة إلى أنه «إذا كان عدد الحالات 30 حالة أو 40 في اليوم فهذا أمر عادي، لكننا لا نريد أن نصل إلى مرحلة يصبح فيها عدد الحالات المصابة يومياً 400 مصاب أو 500».
ورغم أن خليفة حاول أن يخفّف من خطورة الوضع، وخصوصاً أن موسم الأنفلونزا يترافق مع عودة الطلاب إلى المدارس، فإنّ تطبيق الإجراءات التي طالب باتخاذها يحتاج إلى شبكة عمل واسعة تتجاوز طاقم الوزارة، الذي أشاد خليفة أكثر من مرة بمهنيته وشجاعته، وبالجهد التطوعي الإضافي الذي يبذله في هذا المجال.
بكلام آخر فإننا نقترب من واقع يستدعي القول بجرأة إن هذا الفيروس الذي وصل عدد الإصابات به في لبنان حتى أمس إلى 162 إصابة مثبتة مخبرياً، قد يصيب ربع اللبنانيين بأقل تقدير على غرار التقارير التي بدأت تتوقع نسباً مماثلة في مختلف بلدان العالم، مع بداية فصل الخريف.
تمنى خليفة عدم الوقوع تحت أيّ ضغط من جانب شركات الأدوية
إذاً، تستعد وزارة الصحة اللبنانية لسيناريو ارتفاع نسبة الإصابات، وإذا أضيفت إليها إصابات لمرضى لديهم مشاكل صحية ونقص في المناعة، فإنّه يتوقّع أن لا تقل نسبة الوفيات من المصابين عن واحد في المئة، أي 4 آلاف شخص في لبنان، على قاعدة عدد السكان التقريبي الذي هو أربعة ملايين نسمة، وذلك مقارنةً بأرقام انتشار الأنفلونزا في العالم، ونسبة الوفيات الناتجة منه.
الوزير خليفة طمأن إلى أن الجسم الطبي تعرّف أكثر إلى هذا الفيروس، وإلى طريقة عمله بعد أربعة أشهر من انتشاره. وأمل أن تقوم هذه المؤسسات الطبية باتخاذ إجراءات خاصة، إضافةً إلى ما تقرره وزارة الصحة.
وأوضح أنه «بعد التشاور مع وزارة التربية سيضع طبيب كل مدرسة تقريراً يشرح فيه سبب غياب أيّ تلميذ عن مدرسته، إضافةً إلى وضع سجل يومي في دور الحضانة، وتسجيل وضع الطفل الصحي يومياً، والتأكد من سلامته عند وضعه في الدار. وهناك دور المسنين التي تضم نحو 100 مسنّ مصابين بأمراض كثيرة، إضافةً إلى الأمراض المرتبطة بالسن، لذلك المطلوب وضع بيان صحي يومي بحالة كل مسنّ». وأكد «أن الإجراءات ستكون صارمة جداً إلى حين انتهاء فصل الشتاء».
وكشف الوزير خليفة أن اللقاح «لن يسلّم قبل تشرين الثاني أو كانون الأول. وبعد هذا التاريخ لا قيمة للقاح، وخصوصاً أن التلقيح يجب أن يجري في النصف الأول أو النصف الثاني من شهر أيلول. ومن أجل أن يكتسب الشخص مناعة يجب أن يجري التلقيح قبل 15 يوماً من الموسم المتوقع انتشار الفيروس فيه. وقد جرى تقويم المرحلة الأوّلية لظهور الفيروس، وتمّت السيطرة على كل انعكاساته».
وسأل الوزير: «هل الفيروس سيتغير ويفقد اللقاح الموعود قدرته؟ وارد. وهل ستؤدي اللقاحات إلى غياب المرض بالكامل؟ هناك حذر في الجزم بذلك، من دون معرفة نتائج اللقاحات المقبلة. لن نقوم بعمل من دون التأكد من نتائجه الإيجابية. ونشدّد على ضرورة وجود الشجاعة لمواجهة الأوبئة والأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية». وتمنى الوزير خليفة «عدم الوقوع تحت أي ضغط من جانب شركات الأدوية، ولن نتّبع إلا الإجراءات المثبتة علمياً وما يفيد المواطن فقط». مشيراً إلى أن لقاح الأنفلونزا الموسمية يخفّف من عملية المزج بين المصابين أثناء الكشف عليهم، لكنه بالتأكيد لن يمنع حدوث أنفلونزا «إيه أتش1 أن1»، وهو أحياناً لا يفيد في حالة الأنفلونزا العادية، لان الفيروسات تتحوّل عادةً أو تتّحد في ما بينها، فتتغيّر جذرياً، وبالتالي يصبح اللقاح غير مجدٍ».
وعن موسم الحج قال: «عُقد اجتماع في حضور وزراء الصحة العرب ومنظمة الصحة العربية بدعوة من منظمة الصحة العالمية، وترك لكل دولة بحسب نظامها وقدراتها الصحية أن ترسل أو لا ترسل حجّاجها. وأعلنت تونس عدم إرسالها الحجاج وكذلك إيران. والمملكة العربية السعودية ستمتنع عن إعطاء تأشيرات الدخول للمسنّين والحوامل والأولاد. وترك باب الاجتماعات مفتوحاً لاتخاذ ما يلزم بحسب تطور المرض».
ومن صغار في قضاء البترون أفاد مراسل «الأخبار» (عمر حبيب) أن شرائط بيضاء تمتدُّ من يمين الطريق إلى يسارها، وهي تعلم الواصل إلى القرية البترونية بوفاة ابنها الشاب الياس نعمة الله.
ويرفض أهل القرية شائعة وفاته بسبب أنفلونزا «إيه أتش1 أن1». ويشيرون إلى أن خالة إلياس وولديها وصلوا من أستراليا منذ ما يقارب شهراً، لكن أهل القرية لا يربطون الأمر بوفاته. «لو كانوا مصابين أصلاً، لظهرت عليهم إشارات المرض»، لكن عائلة الشاب نعمة الله أكدت أن لا إصابات بين أقاربه الوافدين من أستراليا، وهم لا يزالون في لبنان وبصحة جيدة، ولا يعانون أيّ أعراض صحية. بدورها أعلنت المديرة الطبية في مستشفى أوتيل ديو أن الجثة ستسلّم اليوم إلى عائلته، وتدفن عند الخامسة بعد الظهر.