أميون ــ فريد بو فرنسيسفي بلدة أميون، مركز قضاء الكورة في الشمال، يمكنك أن تطلب ما تريد إلا «شربة مي»، فالماء أصبح السلعة الأغلى عندهم، هذا إذا ما وجدت. وإذا ما جلست في أحد مقاهيها يمكنك ملاحظة الأمر من خلال المرور المكثّف للصهاريج التي تعبر باستمرار، محمّلة المياه إلى المنازل. فالمشكلة بدأت تتفاقم بشكل لم يعد باستطاعة الأهالي تحمّله، والحال بدأت بالتراجع تدريجاً منذ أكثر من 5 سنوات حتى وصلت اليوم إلى مرحلة لم تعد المياه فيها موجودة حتى داخل القساطل! ما دفع البلدية إلى رفع الصوت، عبر اعتصام نفّذته أمام مبنى مصلحة مياه الكورة بحضور الأهالي، وهي تدرك سلفاً أن «الحل غير موجود في هذه الدائرة، بل أبعد من ذلك»، كما قال نائب رئيس البلدية، غسان كرم. وأضاف: «بلدة أميون كلّها، من أولها إلى آخرها، محرومة من المياه. أؤكد لك أن جميع الأحياء فيها تعاني من المشكلة ذاتها، ونحن نتابع الموضوع منذ أكثر من خمس سنوات، وعلى تواصل دائم مع مصلحة مياه الكورة ومع مديرها طوني خير، لكننا ندرك تماماً أنّ الحل ليس عنده، رغم كل ما يبذله من جهد لحل هذا الموضوع».
مشكلة المياه في بلدة أميون مزمنة وليست وليدة اليوم، وهي تتمثل بالشبكة القديمة العهد عندما كانت البلدة صغيرة ولا تضمّ أكثر من مئة منزل، أما اليوم، فقد أصبحت أميون من كبرى بلدات القضاء وتحوي 1500 وحدة سكنية. «معالم البلدة تغيّرت، إلا أن الشبكة الرئيسية التي تغذّي البلدة بقيت على حالها، وخط المياه الأساسي لم يعد يكفي الاستهلاك المحلي، كما يقول كرم، الذي أشار إلى أنه «درجت عادة جرّ المياه مباشرة من الخط الرئيسي إلى المنازل، الأمر الذي أدى إلى شحّ المياه داخل تلك القساطل، وبدأ منسوب المياه في البلدة يتراجع تدريجاً حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم: لا مياه إطلاقاً في عاصمة الكورة، وهي تعطى للبلدة مرة كل 72 ساعة، علماً بأن معظم بلدات الجوار لديها فائض بالمياه، ونحن نشتري الماء من عندهم».
ويشرح كرم: «أن حجم الخط الرئيسي للمياه الآتي من بلدة كوسبا المجاورة هو بحدود 7 إنش، وعندما يمرّ في البلدة يزمّ ليصبح 2 إنش»، سائلاً «هل يكفي أميون البلدة الكبيرة في الكورة قسطل بسعة 2 إنش؟»، معتبراً أن هناك «قطعاً كيدياً للمياه عن أميون، وخاصة أن تعمد تحويل القسطل من 7 إنش إلى 2 إنش هو إشارة واضحة إلى استهداف البلدة وقطع المياه عنها عن سابق إصرار وتصميم، ولن نتراجع حتى تصل المياه إلى المنازل».
الناس في البلدة نفد صبرهم، وخاصة في هذا الصيف الحار، حيث الحاجة إلى المياه تتضاعف. يقول بسام فارس «نحن ندفع ثمن المياه في البلدة ثلاث مرات، مرة لمصلحة مياه الكورة نحو 200 ألف ليرة، ومرة ثمن تراكتور ماء بقيمة 20 ألف ليرة، ومرة ثالثة لشراء غالونات مياه للشرب، هل هذا يجوز لبلدة مثل بلدة أميون المعروفة بأنها عاصمة الكورة؟». فارس الذي يسكن في حي أميون الغربي يضيف: «لقد عمدت إلى شراء تراكتور على حسابي لكي أؤمن المياه إلى منزلي، ونأمل أن يأتي هذا الاعتصام بنتيجة إيجابية، وإلا فإننا سنلجأ إلى السلبية».
معين عازار يقول إنه لا ماء في البلدة «حتى تغسل وجّك ما فيك تلاقي نقطة مي. كل يوم بدّنا نقلة للغسيل فقط، وندفع سعرها حوالى 18 ألف ليرة، وندفع أيضاً ثمن مياه للشرب، وندفع سنوياً للمصلحة ما يعادل 220 ألف ليرة، وكل هالدفع وما في مي، عيب عليهم، هذا الأمر لم يعد مقبولاً لأنه أصبح سرقة علنية».


اعتصام تحذيري

لم يكن الاعتصام التحذيري الذي نفذه أهالي بلدة أميون قبل أيام سوى خطوة أولى على طريق التصعيد، في حال عدم حلّ مشكلة المياه في هذه البلدة الكورانية التي يسعى أهلها إلى وضعها على الخريطة السياحية، لكونها غنية بالآثار الدينية القديمة العهد.
تعيش البلدة أزمة مائية كبيرة تتجلى في نقص القدرة على توفير الخدمات المائية للمواطنين، كتوفير مياه الشرب والخدمة المنزلية ومياه الري، وهي تعيش اليوم تداعيات هذه الأزمة. ويتساءل الأهالي عن سبب حرمانهم المياه، فيما تنعم معظم قرى القضاء بوفرة المياه فيها.
ويقول الأهالي إنهم لم يتأخروا يوماً عن تسديد ما عليهم من مستحقات تجاه مصلحة مياه الكورة وغيرها، وهم لم يترددوا يوماً في تأدية كامل واجباتهم تجاه الدولة وحقوقها. الأهالي وجدوا أنفسهم اليوم مضطرين إلى رفع الصوت عالياً، أملا في أن يسمع أحد المسؤولين صوتهم، فانقطاع المياه المستمر لم يعد يطاق، و«خاصة أننا في فصل الصيف والحرارة مرتفعة».