عمر نشابةمصير العدالة الدولية التي فرضها مجلس الأمن على اللبنانيين عبر إنشاء المحكمة الخاصة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة أصبح بين يدي صانعي السياسة الدولية الأميركية بالكامل.
وكان رئيس المحكمة الدولية الخاصة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين القاضي أنطونيو كاسيزي قد أكد أن المحكمة ولدت من رحم السياسة عبر قوله لـ«الأخبار» في 22 نيسان الماضي، «هذه هي السياسة. عليك أن تلوم السياسيين في نيويورك الذين يقرّرون في جرائم غزّة وجنوب لبنان ألا يأخذوا أي إجراء، وفي حال اغتيال الحريري يأخذون إجراءات. هذه هي السياسة» (راجع عدد الخميس ٢٣ نيسان ٢٠٠٩).
أضافت الإدارة الأميركية أخيراً على اعتراف كاسيزي خلاصة جديدة مفادها أن لا جدوى من أي قرار تتخذه المحكمة الدولية من دون موافقة واشنطن. إذ بقيت قرارات المحكمة الجنائية الدولية في قضية الجرائم التي وقعت في دارفور، حبراً على ورق في ظلّ غياب الدعم الأميركي لها.
وكان المدعي العام الدولي في المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو قد أصدر مذكرة دولية لاعتقال الرئيس السوداني عمر البشير في الرابع من آذار الماضي. وقالت المحكمة يومها إن فريق التحقيق التابع للمدعي العام جمع أدلّة جنائية تؤكد ضلوع البشير في جرائم ضد الإنسانية ارتكبت في إقليم دارفور أدّت إلى مقتل الآلاف. كما أكدت محكمة الجنايات الدولية أن هناك سبعة اتهامات تعرّض الرئيس البشير للملاحقة القانونية.
ولم يكفّ أوكامبو منذ نيسان الماضي عن تهديد الرئيس السوداني بالاعتقال لدى مغادرته الأراضي السودانية وتحليقه في الأجواء الدولية. لكن البشير تحدّى المدعي العام الدولي عبر زيارات قام بها لست دول استقبله فيها الملوك والرؤساء والشيوخ والأمراء ومنها السعودية وقطر ومصر.
إذاً، انضمّت أخيراً إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى تحدي قرار المدعي العام الدولي عبر إيفاد المبعوث الأميركي الخاص الجديد للسودان سكوت غريشن إلى الخرطوم وتعبيره فى مستهل زيارته عن أمله في الصداقة والتعاون بين البلدين. وقال غريشن أمس «أنا أحب السودان مثل كل زملائي الأميركيين، سأعمل على تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية والسودان». وأكد غريشن في ختام لقاء مع وكيل وزارة الخارجية السودانية مطرف صديق أن «الولايات المتحدة والسودان يريدان أن يكونا شريكين، ونحاول إيجاد الفرص لتعزيز علاقاتنا الثنائية».
جدير بالذكر أن المحكمة التي صدرت عنها مذكرة التوقيف بحقّ البشير تعدّ أرفع محكمة دولية في القضايا الجنائية، بحيث إنها ثابتة وليست استثنائية كما هي حال المحكمة الخاصة بلبنان. وإذا كان الأميركيون يتصرّفون على هذا النحو مع مذكرة توقيف دولية صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، يجوز إذاً توقع تعامل مشابه مع مذكرة توقيف دولية ستصدر عن المحكمة الخاصة بلبنان إذا كانت لا تتناسب مع سياسة إدارة أوباما ومصالحها.