تختلف الإشارات التي سترسمها الأصابع في 7 حزيران وفقاً للانتماءات الحزبية للناخبين، لكنّ أمراً واحداً سيوحّد بين المقترعين، إبهام مدموغة بحبر كحلي يفترض أن يصمد 24 ساعة على الأقل، لكن ماذا لو بقي 4 أسابيع؟
بسام القنطار
يغيب عن بال الكثير من اللبنانيين الذين سيشاركون في الانتخابات النيابية، الأحد المقبل، أن عملية الاقتراع لن تنتهي لحظة إدخال مغلف ممهور بالخاتم الرسمي في الصندوق، وتثبيت الاقتراع عبر التوقيع على لوائح الشطب. فللمرة الأولى في لبنان، نصّت المادة الـ90 من قانون الانتخابات على «دمغ المقترع لإبهامه بحبر خاص توفّره الوزارة لجميع الأقلام يكون من النوع الذي لا يزول إلا بعد أربع وعشرين ساعة على الأقل. ويُمنع أي ناخب يكون حاملاً هذا الحبر على إصبعه من الاقتراع مجدداً».
تستخدم الحبرَ الانتخابي اللجان الانتخابية في عدد من دول العالم، لتفادي الغش باحتمال اقتراع الناخبين لأكثر من مرة. فيجبر الناخب على دمغ إصبعه بهذا الحبر، ما يمثّل برهاناً على قيامه بعملية الاقتراع. وتالياً، يستحيل عليه أن «يفعلها» مرة ثانية.
ويعرف الحبر الانتخابي باعتباره سائلاً يحتوي على مكونات صبغية وكيماوية أهمها نترات الفِضّة، تجعله غير قابل للزوال إلا بعد مرور فترة من الزمن. وفيما يتولى الصباغ تلوين الإبهام، تتفاعل مادة نترات الفِضّة مع الجلد لحظة تعرضه للضوء، وتدمغه بلون بني فاتح تستحيل إزالته عبر الغسل بالماء والصابون، ويبقى مدموغاً على الإبهام إلى حين نشوء خلايا جلدية جديدة تحل محل القديمة المدموغة.
تراوح المواصفات الصناعية للحبر الانتخابي بحسب تركّز مادة نترات الفضة، حيث تراوح هذه النسبة من 10 إلى 18 في المئة. كذلك، يحتوي الحبر على مادة السبيرتو لضمان سرعة جفافه، بعد إخراج الإبهام من قنينة الحبر الموجود في كل قلم اقتراع، الذي يحتوي أيضاً على مادة مطهّرة لضمان عدم انتقال الجراثيم من إبهام إلى آخر، وخصوصاً أن جميع المقترعين سيضعون إبهامهم في القنينة نفسها.
وفيما تمتنع وزارة الداخلية عن إعطاء أي معلومات تتعلق بنوعية الحبر الذي ستستخدمه في الانتخابات، أكد الوزير زياد بارود في مقابلة مع «الأخبار» أن «الوزارة درست جيداً عيّنات من أنواع عدة من الحبر، واختارت أفضلها ، واستوردت الكمية المطلوبة لإجراء العملية الانتخابية مع كميات إضافية لحالات الطوارئ».
وأكد بارود أن عملية تدريب الموظفين المنتدبين إلى أقلام الاقتراع شملت تعليمات واضحة عن كيفية وضع الحبر الانتخابي وتوقيته.
ورغم أن المادة 90 حددت المهلة الزمنية الأدنى لزوال الحبر بـ24 ساعة، إلا أن هذا لا يعني مطلقاً أن سيدات لبنان اللواتي يحرصن على ممارسة حقهن الديموقراطي بالتزامن مع المحافظة على أعلى قدر من جمال الأظافر، يستطعن أن يزلن هذا الحبر بعد يوم أو يومين.
وتشير المعلومات إلى أن زوال الحبر يرتبط بمدى تركز مادة نترات الفضة فيه، إضافة إلى عوامل خاصة بكل إنسان، أي سرعة نمو الخلايا الجلدية وكمية الحبر الموضوعة. لكن الحد الأدنى لزوال الحبر بحسب أكثر المتفائلين لا تقل عن 72ـــــ96 ساعة. كذلك فإن جزءاً من بقاياه تستقر على أطراف الظفر لمدة تراوح بين 2ـــــ4 أسابيع. ولقد أدى هذا الأمر إلى موجة عارمة من الاعتراضات في دول عدّة، ما جعلها تتخلى عن هذه التقنية، وتضع الإشارة الدامغة على الإصبع بواسطة قلم حبر، وبإشارة صغيرة، من دون تغميس كامل الإصبع داخل القنينة.
وفيما اختارت مصر اللون الأحمر لحبرها الانتخابي في الدورة الماضية، اعتمدت اللجنة الانتخابية في سورينام اللون البرتقالي في الانتخابات الاشتراعية التي جرت عام 2005، لكونه يرمز إلى العلم الوطني للبلاد. أما في بلد مثل لبنان، حيث لكل حزب لون، فكان من البديهي أن تختار وزارة الداخلية اللون الكحلي الذي لا يرمز إلى إي حزب سياسي. ولأن المادة 90 لم تحدد أي إبهام ستدمغ بالحبر، أعلن بارود «أنه الإبهام الأيسر بعد إجراء عملية الاقتراع». مع الإشارة إلى أن السبابة لا الإبهام هي الإصبع الأكثر اعتماداً للدمغ في مختلف الدول التي تستخدم هذه التقنية.
يصنف البعض تضمين وزارة الداخلية والبلديات لهذا الإجراء في القانون الانتخابي، من باب الخطوات الإصلاحية. لكن اعتماد الخطوة لم يشفع للداخلية من بعض الانتقادات.
الأمين العام للجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات، زياد عبدالصمد، أكد أن موقف الجمعية كان سلبياً منذ بداية طرح موضوع دمغ الإصبع. ووصف عبد الصمد هذه الخطوة بأنها «غير حضارية». مضيفاً: «كان الأجدر أن يقر مجلس النواب اعتماد البطاقة الممغنطة، والقسائم الانتخابية المعدة سلفاً، والاقتراع في مكان السكن، لأن هذه الإجراءت تمثل الخطوات الإصلاحية الحقيقية».
بدوره، أمل نائب رئيس بعثة الاتّحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات النيابية اللّبنانيّة، خوسيه أنطونيو دوغبريال، أن يسهم الحبر الانتخابي في ضمان عدم حصول اقتراع مزدوج من أيٍّ من الناخبين».
أما لجهة التخوف من ضغوط على الناخبين الذين لم يقترعوا، والذين يسهل التعرف إليهم من مجرد عدم وجود حبر على أيديهم، فأعلن دوغبريال أنه لم يستمع إلى هواجس من هذا النوع خلال جولته التي تضمنت لقاءات مع عدد كبير من المرشحين والسياسيين. أضاف: «في بلد مثل أفغانستان، يمكن أن تصل الضغوط على الناخبين إلى حد التهديد بالقتل، لكني لا أعتقد أن هذه الأمور تحصل في لبنان».
وعن استخدام الداخلية وعاء الحبر لا القلم، أشار دوغبريال إلى أن الأمر ما زال مثار جدل في الكثير من دول العالم. وأردف قائلاً: «شاركت في مراقبة الانتخابات في السلفادور التي جرت على دورتين، وقد استُخدم القلم لوضع الحبر في الدورة الأولى، لكن اللجنة الانتخابية قررت العودة إلى القمقم في الدورة الثانية لكونها أكثر فعالية».
تزخر المواقع الإلكترونية بعشرات الوصفات المساعدة على إزالة الحبر الانتخابي فوراً. ‏الكيميائي اللبناني فاروق مراد أكد في حديث لـ«الأخبار» أن للحبر مركبات وخلائط كيميائية، محتوياتها ليست بسيطة.
وقال: «إذا كانت نترات الفضة هي المادة الكيميائية الأساسية في الحبر الانتخابي، فإنها لا يمكن إزالتها إلا من خلال مادة سيانيد البوتاسيوم (Potassium cyanide)، وهي مركَّب كيميائي سام مثل كل مركبات السيانيدات». وشرح: «يمكن أن تذويب كمية بسيطة من سيانيد البوتاسيوم في الماء، وتُمسح الإصبع المصبوغة به، فتحدث عملية تفاعل كيميائية على الجلد، الأمر الذي يعيده إلى سابق عهده». لكن مراد أكد أن «هذا الأمر خطير ولا ينصح باستعماله».
أستاذ الكيمياء في الجامعة الأميركية، ربيع سلطان، استغرب أن يكون هناك من يفكر في استخدام مادة سيانيد البوتاسيوم لإزالة الحبر الانتخابي، وسأل: «لماذا يعرّض أي إنسان نفسه للخطر لمجرد أن يقترع مرة أخرى؟ وهل يستحق الأمر المخاطرة بحياته؟».
وحذر سلطان بشدة من خطورة استخدام هذه المادة. وأشار إلى أن المواطن يجب أن ينتبه لهذا الأمر، ولا يرضخ لضغوط مندوبي المرشحين الذين قد يلجأون إلى هذه الطريقة لمحو الحبر.


تشكيك في مصر وحذر في الأردن

اتهمت أحزاب معارضة السلطات الرسمية في العديد من الدول التي تستخدم الحبر الانتخابي بالتلاعب في نوعية الحبر. ففي مصر تحدثت تقارير عن إزالة أنصار الحزب الوطني الحبر أمام مراكز الاقتراع والعودة إلى الداخل للاقتراع مرة ثانية. أما في الأردن، فلم يستخدم الحبر الانتخابي، رغم أنه كان مقرراً اعتماده، ما سبّب نقمة من أحزاب المعارضة. ولقد بررت الحكومة الأردنية خطوتها بالقول: «هناك تقارير تشير إلى إمكان التحايل والتلاعب بمواده المصنعة وسهولة إزالته».
والهند هي الدولة الأعرق في استخدام تقنية دمغ الإصبع، وقد بدأت باستخدامها منذ عام 1952، ولا تزال الهند حتى اليوم تتمسك بهذة التقنية لكثافة عدد السكان ولبدائية لجان القيد الانتخابية، وخصوصاً في المناطق الريفية ولارتفاع الأمية فيها. وإضافة إلى الهند، هناك العديد من الدول التي استخدمت هذه تقنية ومنها: أفغانستان، بينين، فلسطين، بوركينافاسو، الكونغو، غامبيا، موريتانيا، سورينام، العراق، أوغندا، زيمبابواي، وجنوب أفريقيا.