مونبولييه ـــ ملاك مكيفي الحديقة مقعد لنا يعرفنا، أنا وجدتي. يعرف أسرارنا. يشهد على لحظاتنا الهانئة. وعلى همساتنا الدافئة حين نبوح بما يثقل الصدر. مقعد لنا ينتظرنا عند الساعة الخامسة من بعد الظهر، يطرد لهيب الشمس من خشبه ويهيّئ لنا الظّل الوافر. نقترب منه ونجلس. نبدأ بالحديث. هو أكثر من حديث. سرد حكاية تخبئها لي جدّتي في كلّ يوم. تعيد صياغتها بأسلوب جميل... حكايتها مع جدّي، مع أولادها الذين أصبحوا كباراً، كانت تأتي بهم إلى هنا ليملأوا الساحة بصخبهم وجذلهم الطفولي، وليمتلئوا ببراحها...
تتوقّف برهة عن الحديث. تقترب منّي أكثر، تلتصق بي وتسألني بهمس طفوليّ عن أخباري العاطفية. تحبّ جدّتي قصصي. تصغي جيّداً... يجعلنا الحبّ نصغي هكذا ببساطة. بسهولة..
في هذه الحديقة قصص حبّ كثيرة يشهد المقعد عليها. يعرف وجوهها التي اعتادت على المرور بها والركون إليها خلسة، هروباً من عذاب الأيام. يعرف وجوهاً أخرى، وجوه اللاجئين إليه من وحشية القصف الإسرائيلي. كانوا يستكينون إليه، يتمسّكون به خوفاً من أن تهرب الأرض من تحت أقدامهم، لربّما كان الشيء الثابت الوحيد في أيام الحرب الشرسة. في هذه الحديقة شيء لي. شيء لجدتي. شيء للأبطال وشيء لك أنت أيضاً شيء ثابت في مدينة متحرّكة، شيء آمن في مدينة يمضغها الخوف. شيء خفيف في مدينة ثقيلة. شيء جميل كهمس جدّتي حين تتحدث عن الحب، في هذه الحديقة مقعد يعرف أسرارنا، لا تحاولوا أن تسرقوا أشياءنا...أجزاءنا.