رنا حايكلكلّ لبنانه، والتنوّع قيمة مضافة في لبنان، لا تلبث أن تتحوّل إلى لعنة حين تفرغ من محتواها الحضاري، وتنهشها قيم عشائرية بالية. إلّا أن هناك أقلية من اللبنانيين لا تزال تجتمع على صورة موحّدة للوطن. على الأقل، هذا ما يتّضح من المقابلات التي أجراها مخرج فيلم «لبنان اللي بحلم فيه» ومنتجه، الشاب بيار دواليبي، مع شخصيات اختارها بحسب معيار وحيد: «مواطنون نجحوا من دون أن يقبّلوا أي أيدٍ، وعلى الشباب اللبناني أن يتمثّل بهم»، يشرح.
ففي مقابل المواطنين الذين يوحّدهم، في المشهد الأول من الفيلم، لحن النشيد الوطني اللبناني تعزفه فرقة من أبواق سياراتهم، هناك مواطنون يلتقون حول مفردات جامعة للوطن.
يتناول دواليبي، مستنداً إلى إفادات 41 مواطناً، بعضهم من الشخصيات العامة، المعوقات التي تقف حائلاً دون قيام «لبنان اللي بحلم فيه»: نظام السير. غياب المؤسسات والفساد. التلوث. حقوق الإنسان (ففي لبنان يجوز الطلاق المدني ولا يجوز الزواج المدني كما يقول الممثل زياد أبو عبسي). الهجرة. صندوق تعويضات المهجرين.
يوجهها إلى الشباب على شكل رسالة، مفادها أن «السياسة لا تعني الانتخاب عالعمياني، بل ممارسة يومية»، كما يؤكد. رسالة كلفه إيصالها أعباءً مادية جمّة عند إنتاج الفيلم تحمّلها وحده، بدعم من أصدقاء يحملون الهمّ نفسه، ورفض أن تجيّر لمصلحة أي فريق سياسي، ما دفعه إلى رفض شروط الحصرية التي وضعتها وسائل إعلامية لقاء عرضها. عوضاً عن ذلك، سوف تُعرض عرضاً غير تجاري (تنظّم جمعية «نحو المواطنية» عرضه خلال الأسبوع الجاري في زحلة، وفي حانة «نادي 43 « في الجميزة).
إذاً، ما الحل؟ يستعرض دواليبي الجهات التي قد تقدمه والعاجزة عن ذلك: الشباب منهمكون في دوامة عنف تجسّدها لقطات يستعيدها من أحداث الجامعة العربية في 2007، القضاء عاجز لأن «السياسيين يدجّنون القضاء» كما يقول المحامي ألكسندر نجار، أما المجتمع المدني، فلا حول له ولا قوة، كما يشرح الناشط زياد عبد الصمد، لأن «السلطة تتدخل في العمل النقابي». وفيما تؤكد القانونية ماري كلود نجم أن الإعلام يقوم بدور سيّئ لأنه «غير حرّ وموجّه»، يتفق الجميع على نبذ بدعة الإعلام خلال السنوات الأخيرة، والمتمثّلة في التوك شو، التي آثر ستافرو جبرا تسميتها «طوق حنك»، والتي لفت زياد أبو عبسي إلى أن «الناس قرفوا منها، لذلك عم بيركبوا دش تيحضروا أفلام إباحية بدلاً من مشاهدتها»، مضيفاً «وبهاي المناسبة، بتوجه بالشكر للشيف رمزي وبوس الواوا»، يبقى الحل الوحيد في المحاسبة، وفي انتخاب «المرشح الأعرف والأجرأ والأشرف»، كما ينصح الموسيقي وليد غلمية.
فلا يتقدم شعب لم يقم بثورته الخاصة على القيم البالية. أما تلك الثورة، فتقع على عاتق شباب، يجري وعظهم بطريقة مكثفة ومباشرة في المشاهد النهائية من الفيلم، استكمالاً لنبرة رومانسية حالمة طغت على الوثائقي منذ بدايته، يشرح دواليبي سبب ابتعادها عن الواقع: «لأنني تفاديت الغوص في القضايا التي ينقسم اللبنانيون حولها». قفز المخرج عن تلك الفخاخ فجاء الفيلم «محلّقاً» في أجواء قيمته، هو الذي يتناول وطناً يحلم به الأبناء.