صور ــ آمال خليلأول ما تبادر إلى ذهن الطفل حسن شيت (7 سنوات) لدى سماعه صفارات الإنذار تدوي في المستوطنات المواجهة لمدرسته في كفركلا أن المستوطنين «يا حرام فزعانين»، تماماً كما كانت والدته قد قالت له، لإعداده نفسياً لمواجهة اليومين الثالث والرابع من المناورات العسكرية الإسرائيلية، التي قامت أمس واليوم على تدريب المستوطنين والأجهزة المختلفة للتعامل مع هجمات صاروخية محتملة. وقد كان على والدة حسن أن تقوم بذلك لأن دويّ صفارات الإنذار كان متوقعاً في المستوطنة المقابلة، التي هرع سكانها نحو الملاجئ «لأنهم فزعانين منا يا ماما».
لم يضبط إعداد الأهل لحسن وأترابه خوفهم الطفولي فحسب، بل كانوا مطمئنين تماماً إلى أن حرب تموز لن تتكرر، وأنهم سيتمتعون بصيف جميل بعد إنهاء امتحاناتهم المدرسية خلال أيام.
وفيما عدا الصفارات التي دوّت الحادية عشرة من قبل ظهر أمس، وهدير الطائرات الحربية الإسرائيلية التي جابت الأجواء، كان هدوء «قد» يسبق العاصفة، لا يزال يخيم على جانبي الحدود مع فلسطين المحتلة.
ولليوم الثالث، لم تثنِ المناورة سكان القرى الحدودية عن ممارسة يومياتهم المعتادة. باكراً ككل فجر، همّت الحاجة وهيبة بالعناية بحقل التبغ الذي تملكه على تخوم أراضي بليدا مع الشريط الشائك بانتظار قطافها بعد أيام. تنهمك بالحديث مع التراب والشتول، وتعرف في الوقت ذاته أن الجنديين الإسرائيليين، الواقفين على أعلى الدشمة في الموقع البعيد بضعة أمتار، يراقبانها بالمنظار، وقد يطلقان النار عليها كما كان يفعل زملاؤهما زمن الاحتلال. لكن من أعماقها تستمد قوة ما تجعلها لا تأبه بهم أو بمناوراتهم. مثلها قاسم خليل (70 عاماً) من بلدة رامية الذي طلعت الشمس عليه في حقله الذي يملكه في محاذاة الشريط الشائك في أراضي بلدة طربيخا التي «ألغاها» الإسرائيليون من الوجود. يشهر قاسم «المنكوش» ويصوّبه تارة نحو الشريط الشائك وطوراً نحو الأرض، مذكّراً «بمقاومة المزارعين لليهود منذ أن احتُلت فلسطين، عندما كانوا يطلقون النار فوق رؤوسنا لترهيبنا، ويمنعوننا من الرعي ويسرقون المواشي، ويجرفون حقول الشعير والقمح والتبغ والزيتون ويحرقونها، كما فعلوا في عدوان تموز. فبماذا ستخيفنا مناورة يقومون بها خوفاً منا؟».
يمكن القول إن قطوع المناورة قد مر. على طول الحدود لم يستحدث الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل دوريات أو نقاطاً جديدة. الفرنسيون يتجوّلون كالعادة بدبابات لوكلير، والإيطاليون والإسبان والإندونيسيون يمرون مرور الكرام، ما عدا الغانيين الذين يتولّون تطبيق قانون منع التصوير في المنطقة الحدودية ولو بالقوة.
وفي أيام التأهب المقررة، اختار عشرات الطلاب من كلية العلوم في الجامعة اللبنانية ومدارس عدة في بيروت أن يزوروا بعض النقاط الحدودية المتقدمة. عند منتصف النهار، على تلة مارون الراس، تجمهر الشباب على أمل رؤية جندي إسرائيلي يبرزون أمامه عضلاتهم واستهزاءهم به. لكنّ الإسرائيليين خيّبوا آمالهم وغابوا عن الأنظار، جنوداً وآليات.


مناورات صامتة وأخرى صارخة

يقول جنوبيون لـ«الأخبار إنهم طوال الاحتلال لم يسمعوا بشيء اسمه مناورات، وإنهم عرفوا المصطلح للمرة الأولى إثر حرب تموز 2006، حين قامت قوات اليونيفيل بمناورات مشتركة عدة، بحرية وبرية، مع الجيش اللبناني. ويقول هؤلاء إن المناورة الإسرائيلية التي تعد الأكبر، كما تقول وسائل إعلام العدو، وعلى مستوى فلسطين المحتلة كلها، لم يسمع لها تردد أصوات صفارات الإنذار إلا أمس، فيما حياة سكان منطقة مناورات اليونيفيل والجيش كانت تنقلب رأساً على عقب خلالها.