أحمد محسنلا أعرف أن أصف تلك اليوميات الباهتة كما ينبغي. يكاد الملل أن يقتلها. أستيقظ طامعاً بالأمل. أسمع حفيف تنورة صديقتي، إذا لامس الغياب. أبصق دماً. تخرج الأسماك من معدتي. للوهلة الأولى، أرى حائطاً في المرآة. تشايكوفسكي يراقص البجع في المطبخ. فيروز ترتدي ثياب العيد. الأشياء نفسها يومياً. العاملة السمراء، التي أحب شعرها المتشابك، تجامل الطائرات. تظن أنها آتية من سيريلانكا. على مائدة الصحف، ألتهم هيلاري كلينتون، وأتحاور مع فنجان القهوة. يفهم آرائي إذا استحال تفلاً. أتمدد على كرسي الشرفة الطويل، كما في النعش. باراك أوباما يغادر التلفاز. تختلط أحوال السياسة في رأسي، مع غرفة في نيويورك لادوارد هوبر. أخرج من الباب ويؤلمني صوته حين ينغلق. لا أعرف كيف أكتب الصوت، تذكرت صديقتي المسائية، وتنورتها. وأتذكر يومياً: الحنين سم يفسد طعم القهوة.
في العطَل، يكون وجهي فارغاً. أقرأ كأن العالم ينتهي غداً. في آخر عطلة، شاهدت فيلماً لآل باتشينو، وكان جيداً. كارليتو برغاتي، البورتوريكي، الذي يعزف الموت في الشوارع. ألحظ العشرات منه عن الشرفة. كان ممكناً أن أستمر واحداً منهم. التلال التي تتعرج في داخلي تشبه دهشتهم. حين يصل المساء يشعرون بالخطر. يبدأون بالضجيج. يرسل الرب ظلامه إليهم. أبناء الشوارع حقيقيون. يلازمون اليأس على الأرصفة. كالكلاب الوفية الضارية. كارليتو كان حكيماً، فلا يضحك كثيراً. أما أنا، فلا أضحك كرمى لعضلات الفكين. تقتلني الملابس المعلقة على الشرفات. تداعب عيون المارة. تانغو حقيقي. يبحثون عن أعضاء صاحبتها. أقترب وأنا ميت، من العدم، في ألوان الملابس. عيناي مثقلتان بالكحول. ها أنا أنتصف أخيراً في الهواء. أقضم الوحدة وأشير بفمي إليها. أبدأ بشعرها الأجعد. أجعد هو الموازي العربي للفظة Curley. أعرف شعرها بالإنكليزية وبقية أجزائها بالعربية. أقترب من وحل الظل عملاقاً يعانق المبنى. أرمي اللغة في الساحة العامة. أحاول أن أضيف إلى صدرها رفيقاً، غير يدي. يصعب إقناعي بأن تلك الملابس ليست هيَ، وأن ذلك النورس ليس رجلاً يناوم روحها.
لي قصص مع الأشكال الهندسية، فقد نموت في الحرب. الأشكال في رأسي مرتبطة بالأعتدة العسكرية. لم أعد المربعات في طفولتي، كنت أعد الجثث. علاقتي بالألوان، وأبناء جيلي، لم نستقها من البالونات. نعرف البالونات الحرارية التي تتقيأها المروحيات المقاتلة. استفدنا من الدخان لنتعلم أن الأسود يتدرج، وأن الأبيض لون أعمى. كان يكفيني أن أموت لأبقى صغيراً. تطاردني أصوات القذائف حتى الآن. كلما نظرت إلى بناء، تخيلته مدمراً. أشحت بجسدي عنه كي لا يسقط شبح منه. كلما أضأت شمعة أخشى أن تكون صاروخاً مموهاً. أخاف على الحدائق من الدبابات البشعة. كنت أخال الدبابات ألعاباً كبيرة. أخاف على أعصاب أمي من أصوات الطائرات. كل ثلاثة أعوام أشهد على حرب. شهادة الأطفال ليست محسوبة. وأنا ما زلت طفلاً لأني أكره الحروب.
في مدارس الآخرة، سأسجّل في الصف الخامس. أختار معلمة سوداء، وصديقة من الهنود الحمر. سأنتقم للأطفال الذين حلموا بمقاعد الدراسة، وباغتهم العبث باكراً. باكراً جداً.