لم يكن من الصعب، في العقود الأربعة الماضية، الاعتراف بتربع اليابان على عرش سوق الإلكترونيات العالمية منذ نهوض الإمبراطورية من رماد الحرب العالمية الثانية، ولكن، مع توالي الخسائر الضخمة لشركاتها، ونمو عملاق صيني جار مقلد ورخيص، والكساد الذي يعيشه العالم الصناعي، ماذا بقي من إمبراطورية اليابان التكنولوجية؟

خضر سلامة
من راديو سوني الترانسزتور في الخمسينيات، وصولاً إلى مبيعات نينتندو وي الجديدة القياسية، مروراً بعصر الووكمان والـCD والـDVD والبلاي ستايشن، فرضت اليابان نغمتها الإلكترونية وموضة اختراعاتها على العالم، وكانت النظرة التكنولوجية المتقدمة لشركات إمبراطورية الشمس، مفتاحها الدائم للتطور وتحقيق القفزات الاقتصادية، وتعويض النقص الإنتاجي في أماكن أخرى في ميزانيتها، ولكن الدولة صاحبة الاقتصاد الثاني على مستوى دول العالم، يعاني اليوم تراجع ركيزته، أي القطاع الإلكتروني، ففيما تصدرت «هيتاشي» قائمة الخسارات في ميزانية المصنعين والمنتجين الكبار بخسائر سنوية أعلنتها الشهر الفائت وقدرها 5 مليارات ونصف مليار يورو تقريباً، سجلت «إن أي سي كورب» اليابانية للإلكترونيات أيضاً خسائر هذا العام بقيمة 3 مليارات دولار، فيما اعترفت البيدا عملاق صناعة الرقائق الإلكترونية بخسائر ضخمة أيضاً. سوني، الاسم الذي يوازي شهرة اليابان التكنولوجية، منيت بخسائر تعدت المئة مليون دولار في الربع الأخير من العام الماضي، وقد تدحرجت من مركزها الأول على لائحة المصنعين العالميين لأجهزة التلفاز على سبيل المثال لمصلحة صناعيي كوريا الجنوبية، سامسونغ وأل جي، حتى البلاي ستايشن ــــ الجيل الثالث، التي عقد عليها الأمل بكونها بطاقة عودة سوني إلى الأسواق، تفوقت عليها النينتدو بجيل الويي الجديد، وصولاً إلى باناسونيك، الاسم الفرعي لعملاق الإلكترونيات ماتسوشيتا، التي أعلنت للمرة الأولى من ست سنوات عن خسائر صافية، عاقدة النية على إلغاء 15 ألف وظيفة، وحوالى أربعين معملاً. في الثمانينيات كانت ماتسوشيتا على سبيل المثال تحتكر ثلثي سوق الفيديو في العالم، أما اليوم، فهي تجد صعوبة كبيرة في منافسة المصنعين الجدد، المقلدين لمنتجاتها، ذوي الأسعار الرخيصة والمناسبة لقطاع كبير من المستهلكين، كصناعات تايوان والصين خصوصاً.



«من العدل برأيي الاعتراف بأن الشركات اليابانية للإلكترونيات فقدت شيئاً من نفوذها» يقول تيم هورنياك، صاحب كتاب «حب الآلة»، ويتابع «السؤال هو: هل هذا التراجع هو إنذار بانتهاء مدة الصلاحية للحقبة اليابانية تكنولوجياً، أم هو مجرد تماهٍ مع الكساد العالمي؟ الشركات تتذرع إلى اليوم بانخفاض الطلب العالمي، لكن هذا السبب مؤقت، سينجلي أخيراً، ونكتشف الأمر على حقيقته». هورنياك يجزم أخيراً بأن «فترة القرن العشرين التي أمّنت طلباً ضخماً وأسواقاً مفتوحة للشراكة مع المصنعين اليابانيين أنشأت منافسين كبروا في أواخر القرن، وأصبحوا يمثّلون خطراً على اليد اليابانية في قطاع التكنولوجيا» في إشارة إلى أنه رغم أن مبيعات اليابان التكنولوجية لا تزال الأضخم بـ60 تريليون ين في السنة، إلا أن أرباحها في انخفاض مع اضطرار الشركات إلى خفض الأسعار من أجل محاولة كسر الكلفة الإنتاجية الأرخص للبضائع الصينية والكورية الجنوبية والتايوانية المنافسة في سوق التلفزيونات والكمبيوترات والـ DVD والفيديو والهواتف النقالة وعالم المنتجات الرقمية، مستفيدة من عوامل عدة، أهمها النقل والنسخ للتقنيات اليابانية، كما فعلت البلدان الثلاثة مجتمعة وأشهرها اتهامات سوني لسامسونغ المتكررة بالنقل، وأيضاً، كحال الصين، مستفيدة من تفوق في عديد السكان ويد عاملة أرخص وقوانين عمل أقل تشدداً.
التحول الخطير في عالم الإلكترونيات من أسباب تراجع دور اليابان التكنولوجي، فعلى سبيل المثال، أمنت آبل للمستهلك إمكانية الاستغناء عن شراء فيديو بلاير وبلاير آخر للموسيقى، عبر دمج الخدمتين في منتجها الآي بود، وفي قطاع الهواتف النقالة، ومع تطور تقنية الكاميرا فيها، أمكن الاستغناء عن اقتناء كاميرا، أو أسطوانات الموسيقى، أصبح إنتاج الإلكترونيات مرتبطاً بمصنع واحد، قادر في منتج واحد، على تأمين خدمات تكسر شوكة مصنعين متخصصين في مجال دون آخر، وهكذا، في عالم السرعة والتوفير، يتجه المستهلكون أكثر فأكثر إلى الإلكترونيات المتعددة الاستعمال.
يصر الاختصاصيون اليابانيون على رفض المقاربة السوداوية، مستعينين بأمثلة تاريخية عن قيام النمر الآسيوي الياباني دوماً من كل خضة اقتصادية، وهو الذي اعتاد على الخضات منذ السبعينيات إلى اليوم مع تلاعب الين صعوداً وهبوطاً، معتبرين أن المنافسة تتحول إلى صراع بين المصنعين الناشئين ككوريا الجنوبية والصين، فيما لا تزال اليابان تتميز بصناعات أكثر دقة وقطاعات تكنولوجية سباقة بسنوات إلى الأمام، نقطة يوافق عليها هورنياك، الذي يرى أن اليابان لا تزال تملك منتجات يصعب على الجيران ـــــ الأعداء منافستها فيها في العقد المقبل على الأقل، ككمبيوترات الجيب وشاشات الـ lcd والكاميرا الرقمية المزودة بالفيديو والدقيقة جداً، ونذكّر بأن معظم منافسي الشركات اليابانية، يعتمدون على تقنيات من شركات طوكيو نفسها، كتوشيبا التي تصنع القرص الصلب الصغير للآي بود الأميركي، ونيكون وكانون التي تؤمن اللايزر البصري لمصنعي طابعات وكاميرات ومنتجات أخرى...