محمد زبيب «لقد تأسّست على دستور الطائف، التجربة المتجددة للوطن والدولة، التي مهد لها الرئيس رفيق الحريري، وصولاً لإقرار وثيقة الوفاق الوطني بالطائف، ثم قادها على مدى العقد ونصف العقد، فاستعاد اللبنانيون حياتهم المدنية، وأنجزت ورشة ضخمة للإعمار، وبدأت الحياة السياسية والدستورية بالعودة إلى الانتظام، وبدأ لبنان مرحلة العودة إلى موقعه في الوطن العربي والعالم... لقد أمكن اللبنانيين، رغم الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة، وضغوط عهد الوصاية، وعدم تطبيق دستور الطائف بكامله وبالشكل الملائم، أن يخرجوا من ظلمات النزاعات الداخلية، وأن يجددوا طموحهم في تعميق العيش المشترك والأمن والمستقر، وفي العمل على تحقيق الاستقرار والازدهار الاقتصادي، وتعزيز الحريات والديموقراطية... لذلك... من حق الصيداويين، أن يراجعوا ما تحقق من استقرار أمني، ومن أمن اجتماعي، واستقرار ونمو اقتصادي، وضمان صحي، ومستوى تربوي وتعليمي...».
هذا ما أعلنه الرئيس فؤاد السنيورة أمس في برنامجه المشترك مع الوزيرة بهية الحريري لخوض انتخابات صيدا... قد يوافقه البعض في تقويمه للمرحلة بين عامي 1990 و2009، وقد يخالفه البعض الآخر، إلا أن ما ورد أعلاه يبيّن مدى التناقض بين ما يعتقده فعلياً الفريق الذي ينتمي إليه السنيورة والحريري ومضمون الخطاب الذي أُغرق اللبنانيون به عن مآسي مرحلة الوصاية ومسؤوليتها المباشرة والوحيدة عن كل ما مرّ به اللبنانيون على مدى العقدين الماضيين.
فالسنيورة، الذي رافق الرئيس الراحل رفيق الحريري، وشغل حقيبة وزارة المال، بالوكالة أو بالأصالة، في كل حكوماته، مقتنع بأن مرحلة الوصاية السورية كانت مرحلة ازدهار، وأن النظام الأمني لم يمنع تعزيز الحريات والديموقراطية والعيش الآمن، بل بالعكس، فقد استعاد اللبنانيون برأيه حياتهم المدنية، وعليهم أن يتمعّنوا بكل الإنجازات التي تحققت في تلك المرحلة لكي يقتنعوا بالتصويت له.
على أي حال، لقد سبق تيار المستقبل السنيورة إلى هذا التقويم عندما أقرّ في مقدّمة برنامجه السياسي بأن كل المرحلة السابقة طبعت باسم رفيق الحريري ولم يعد ممكناً التأريخ للعشرين سنة الماضية من دون ربطها بسياساته!
المشكلة أن لا أحد من الذين يبنون خطابهم على الظلم الذي لحق بهم في مرحلة الوصاية يريد لجمهوره أن يقرأ عن دور حلفاء اليوم في تكوين المآسي والمفاخرة بها.