تقع قرية الكواخ في قضاء الهرمل، وهي مجموعة من بيوت الضيافة التقليدية اللبنانية الصديقة للبيئة المهيّأة لاستقبالك في أي وقت كان على مدار السنة. وتمثل قرية الكواخ وجهة سياحية مهمة تعد الزوار بتجربة فريدة وأصيلة بفضل مجموعة من النساء المحليات الناشطات
الهرمل ــ رامي بليبل
كخليّة نحل ناشطة تتحرك النسوة ذهاباً وإياباً. يردن أن تُستكمل الترتيبات على طاولة تقديم الطعام قبل انتهاء الاحتفال الرسمي «على آخر طرز». فهذا اليوم هو عيد بالنسبة إليهن، «صار عنا أوتيل» تقول إحداهن، وتباشير الفرح المختلطة بتفاصيل التعب وقساوة الطبيعة تبدو على سحنتها الحنطاوية اللون.
المائدة مليئة بما لا تعرفه من الأطعمة «المنقرضة» تقريباً على لوائح الفنادق والمطاعم المشهورة، «فطائر سليق، برغل مفلفل، لبنية ذرة، سلطة حشائش برية، كبة بندورة» وغيرها من الأنواع الحامضة والمالحة. أما الحلوى فتتنوع أصنافها أيضاً «سنبوسك بمعقود، دبس وطحينة، أقراص عجين»، علماً بأنك لن تحظى بأي وجود لكل أصناف اللحوم، فشعارهم مأكولات طبيعية بيئية صحية نباتية.
انتهى احتفال الافتتاح رسمياً لـ«فندق الكواخ للسياحة البيئية». ولدى وصولك إلى الفندق الجديد، تستقبلك النسوة بوابل من الزغاريد والرديات وعبارات التأهيل والترحيب. تتركهن على حياء لتسرح حواسك في كل زاوية من الزوايا المليئة بالتجهيزات التراثية «محدلة، صمد فلاحة، معاول، خوابٍ فخارية، قناديل زيت قديمة، غرابيل وغيرها الكثير، لكن أجملها إبريق فخاري يرشح ماء عذبة يتجمهر حوله الحاضرون، كل يريد أن يطفئ ظمأه، فالحرارة قوية «وبدها شربة مي».
«كانت الفكرة أن نقوم بمشروع خاص بتنمية المرأة في بلدتنا، ولا سيما أن أحد أعضاء البلدية امرأة»، يقول رئيس بلدية الكواخ نصري الهق، ويضيف: «كانت الفكرة بداية أن تجهّز النسوة بعض المأكولات الشعبية والطبيعية الموجودة في المنطقة، وتبيعها في قرى القضاء، وتطورت الفكرة عندما أحسسنا بإمكان نجاحها إلى المشاركة بالمعارض والاحتفالات التي تقام خارج الهرمل. وكان النجاح مهماً جداً، وهذا ما دفعنا لتطوير الفكرة وإنشاء تعاونية للمرأة سمّيت السنديان».
يركز الحاج نصري نظارته جيداً ويستكمل حديثه قائلاً: «نجاحات التعاونية المستمرة دفعنا إلى التفكير بمشروع يضمن استمرارية عملها، فضلاً عن اهتمامنا بالمنازل القديمة والأثرية التي هي على وشك الانقراض. وعندما وضعنا التصور الأولي للمشروع، توجهنا إلى بعض الجمعيات والتعاونيات اللبنانية والإيطالية لإيجاد التمويل اللازم، ولا سيما لجهة ترميم المنازل وإعادتها إلى طبيعتها القديمة. أما الهدف الأساس، فهو استدراج السياح من جميع المناطق اللبنانية ومن خارجها ليعزّز الوضع الاقتصادي في البلدة».
وفي غمرة الاستحسان لجماليات الفن التراثي القديم، تمسك رئيسة تعاونية السنديان خديجة شاهين بيد فرنشيسكا سيرا مديرة مشروع آركس، وتتوجه نحونا قائلة: «فرنشيسكا أول من تابع معنا إنضاج الفكرة ومراحل التنفيذ الأولى». سألناها عن بدايات العمل وأهدافه فقالت: «هذه الفكرة هي فكرة نساء الضيعة، وهي فكرة جميلة ورائدة على مستوى التنمية الاجتماعية، وقد عملنا في المشروع دعماً ومتابعة مع خمس نساء من جمعية السنديان، ونحن نهدف إلى استغلال قدراتهنّ وإلى تمكين المرأة للاعتماد على نفسها». ثم أومأت برأسها نحو مديرة جمعية «مدى»، سلوى طوق، فأكملت الحديث: «الهدف من إقامة المشروع هو ترسيخ المجتمع المحلي في ضيعته التي تشهد حركة نزوح وهجرة، فكلما أنتجت المنطقة ووفرت فرص عمل، ثبت الأهالي في قراهم، ولا سيما أن المشروع نفذ بطريقة تحافظ على البيئة والعادات، وجعل من المرأة المنسية أساساً له».
ويشير جيلبير مخيبر، مدير المشروع، إلى أن الهدف من المشروع هو الحفاظ على التقاليد والتراث في المنطقة، إضافة إلى الفائدة الاقتصادية المتوقعة. ويشرح تفاصيل المشروع قائلاً: «لقد تم ترميم المنازل الثلاثة المشكّلة للفندق والمعدّة لاستقبال السيّاح بطريقة بسيطة، وبشكل يحافظ على طابعها التقليدي. فكل منزل لعشرة أشخاص ومجهز بموقد تقليدي قديم للحصول على الدفء في أيام الشتاء الماطرة، أما الأسقف فمصنوعة من الخشب المستخرج من جذوع أشجار اللزاب.
تعتبر النساء العاملات في تعاونية السنديان خبيرات في تحضير الوجبات الشهية من مجموعة واسعة من المنتجات العضوية وبالاعتماد على الوصفات التقليدية. ويتيح لك تناول هذه الوجبات فرصة التفاعل مع السكان المحليين في جو من الألفة والمودة. وفي هذا المكان أيضاً ستتعرف إلى التنور، وهو الفرن التقليدي الذي يتيح لك تذوق الخبز اللبناني الطازج. أما إذا كنت تخطط للذهاب في نزهة إلى الطبيعة، فتنتظرك «الزوادة» التي تعدّها لك نساء التعاونية.