عمر نشّابةأن يشارك أمراء الحرب القدامى في تدمير ما بقي من الجمهورية اللبنانية أمر يحتمل تفسيرات سياسية واجتماعية ولا يخالف معظم التوقّعات. أما أن يظهر بصورة مخرّبيها أولئك الذين رأى فيهم اللبنانيون فرصة للحفاظ عليها، فيدعو ذلك إلى التعجّب.
إن الدولة تستحقّ شرعيتها من تأييد المواطنين لها ومن تقديرهم للخدمات التي توفّرها لهم ومن مدى التزامها بالقانون والدستور. إن المسؤولين في الدولة الذين يتجاهلون إصلاح القضاء وتحصينه عبر تخصيص الميزانية اللازمة له والتشدّد في فرض استقلاليته يضعفون شرعيتها وشرعيتهم. إن المسؤولين في الدولة الذين يغفلون العمل الجدي على تسليح الجيش وتجهيزه ليتمكّن من الدفاع عن المواطنين، يضعفون شرعيتها وشرعيتهم. إن المسؤولين في الدولة الذين يتناسون واجب مساءلة ومحاسبة موظفيها وضباطها الذين ضربوا بالقانون عرض الحائط واسخدموا موارد الدولة لحساب مصالحهم السياسية، يضعفون شرعيتها وشرعيتهم. إن المسؤولين في الدولة الذين يتنازلون (في البيان الوزاري) عن سيادة القضاء اللبناني ويفضّلون القضاء الدولي على مؤسسات الجمهورية اللبنانية، يضعفون شرعيتها وشرعيتهم. إن المسؤولين في الدولة الذين يشاركون في اجتماعات الغرف المغلقة مع مسؤولين أميركيين أو إيرانيين أو سوريين أو سعوديين أو فرنسيين أو غيرهم قبيل الانتخابات، يضعفون شرعيتها وشرعيتهم. إن المسؤولين في الدولة الذين يسمحون لسفير (أو سفيرة) دولة أجنبية أو حتى عربية باستعراض قوى مسلّحة لبنانية ومخاطبتها في غياب الوزير المختصّ، يضعفون شرعيتها وشرعيتهم.
المسافة التي تفصل بين الدولة ومئات ألوف الجنوبيين والبقاعيين الصامدين في وجه العدو الإسرائيلي تزيد يوماً بعد يوم، رغم التطمينات المتكرّرة التي يؤكّد مسؤولون فيها ثبات تلازم موقفهم مع خطّ المقاومة.
أما في الجبل والشمال، فيخشى جزء لا يستهان به من اللبنانيين من طموحات مسؤولين في الدولة، في الزعامة المسيحية، عبر رفعهم شعار الوسطية الذي يحتمل تبديل الألوان بحسب ما تقتضيه عملية الحفاظ على المصالح، وبحسب ما تمليه التغييرات الإقليمية والدولية.
وفي العاصمة بيروت وعاصمة الشمال طرابلس، لا ترى الجماهير في مسؤولي الدولة إلا سنداً في وجه من تستعديه الزعامة المذهبية السائدة.
لكنّ بعض أرفع المسؤولين في الدولة لا يكفّون عن التمسّك بصورتهم التوافقية والحيادية رغم عدم توقّف الهمس المرّ في آذانهم.