إيلي شلهوبإذاً، بات واجباً علينا، نحن الشعوب العربية والإسلامية، أن نتحلى بالشجاعة الكافية للاعتذار من الولايات المتحدة على ما ألحقناه بها من ضرر وظلم على مدى العقود الماضية، وأن نتعهد بمحاربة الصورة النمطية المنتشرة عنها عبر العالم. لقد تبيّن أخيراً، على ما يبدو، أن بلاد العم سام قد نذرت نفسها، منذ قيامها، للأعمال الخيرية، وتوزيع المساعدات ونشر القيم الإنسانية، وأنها إن شردت مرة أو أكثر عن هذه المهمة، فذلك حصل لأسباب فردية يتحمل مسؤوليتها بعض من تولوا الحكم فيها.
بل أكثر من ذلك. بات علينا واجب إجراء مراجعة فقهية لأصول الدين الحنيف، انطلاقاً من التوجيهات التي خطها في القاهرة قبل يومين داعية الإسلام باراك حسين أوباما، الذي أكد ضرورة «إصلاح خطوط الانفصال في أوساط المسلمين لأن الانقسام بين السنة والشيعة أدى إلى عنف مأساوي». بهذا يمكننا أن نكتشف بأنفسنا كيف أن «أميركا والإسلام لا يتعارضان ولا داعي للتنافس في ما بينهما»، بل كل الحكاية هي وجود «متطرفي عنف... يمثّلون تهديداً جسيماً» لأمن الطرفين، بدليل أن «معظم ضحاياهم من المسلمين». وبالتالي، علينا أن نوجه الشكر إلى آلة الحرب الأميركية على ما قامت به، ولا تزال، لتخليصنا من محترفي القتل هؤلاء في كل من أفغانستان وباكستان، حيث تعمل الولايات المتحدة على توزيع مليارات الدولارات لتوفير الرفاهية لشعوب تلك المناطق. وإن حصلت بعض الأخطاء في التنفيذ، فما علينا إلا أن نسامح، إكراماً لـ«3000 شخص من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء الذين قتلهم تنظيم القاعدة».
وعلينا أيضاً أن نعبّر عن امتناننا لما حصل على مدى السنوات الست الماضية في العراق، الذي كان «شعبه الطرف الرابح في نهاية المطاف» من حرب «اختيارية» انقسم العالم حولها لكنها خلصته من «الطاغية صدام حسين». وها هي القوات الأميركية الصديقة قاب قوسين من مغادرة بلاد الرافدين من دون أن تطالب بأي ثمن للخدمات التي قدمتها للعراقيين: لا قواعد ولا مطالبة بأرض ولا بموارد. حتى أساليب التعذيب التي أثارت امتعاض البعض، ها هي واشنطن قد اتخذت قراراً بوقف استخدامها، ومعتقل غوانتنامو في طريقه إلى الإقفال.
وبعد الانتهاء من كل ذلك، علينا أن نكرّس أسبوعاً لإحياء ذكرى المحرقة النازية، نقيم خلاله فعاليات في مختلف المدن الممتدة من المحيط إلى الخليج، نشرح خلالها للشعوب العربية كيف أن الأوروبيين نفذوا مجازر لا تغتفر بحق الشعب اليهودي سقط ضحيتها أكثر من ستة ملايين شهيد، وأنه من أجل التكفير عن الذنب الذي ارتكبه هؤلاء الأوروبيون، علينا نحن العرب والمسلمين أن نقتطع الجزء الأغلى من أراضينا، حيث أولى القبلتين وثالث الحرمين، ونقدمها هدية لهذا الشعب، الذي عانى قروناً من الاضطهاد في القارة القديمة، لإقامة «وطن قومي» له.
طبعاً علينا أن نفعل هذا وفي ذهننا حقيقة واحدة لا يجب نسيانها ولو للحظة: «إن متانة الأواصر الرابطة بين أميركا وإسرائيل معروفة على نطاق واسع، ولا يمكن قطعها أبداً، وهي تستند إلى علاقات ثقافية وتاريخية».
لكن متانة هذه الأواصر لا تعني أبداً انحيازاً أميركياً لإسرائيل. مطلقاً. فالعم سام يدرك أن «الشعب الفلسطيني عانى» هو الآخر في «سعيه إلى إقامة وطن خاص به» و«تحمل آلام النزوح على مدى أكثر من 60 عاماً». وهو لا يزال يتحمل «الإهانات اليومية الناتجة من المحتل». لذلك، فإن «أميركا لن تدير ظهرها عن التطلعات المشروعة للفلسطينيين، ألا هي تطلعات الكرامة ووجود الفرص ودولة خاصة بهم». ليس لشيء، بل لأن ذلك «يخدم مصلحة إسرائيل ومصلحة فلسطين ومصلحة أميركا».
أما بالنسبة إلى «المقاومة»، فعليها أن تعيد النظر في استراتيجياتها وتكتيكاتها وفقاً لنصيحة المهاتما باراك أوباما. ممَّ يشكو النموذج الهندي؟ لقد تغلب على الاستعمار البريطاني. أم أن الأشاوس في الفصائل الفلسطينية قد أدمنوا دماء «الأطفال والسيدات المسنات»؟ بهذا يمكنهم ضمان «الحق بالبقاء» و«توقف الاستيطان».
ويا حبذا لو اعترفت «حماس» بشرعية إسرائيل، والدول العربية بأن مبادرتها ليست سوى «بداية» لسلسلة من التقديمات، وإيران بضرورة الحوار بلا شروط... لعبرنا نصف الطريق نحو الحل.
عندئذ يمكننا، نحن والأخوة في واشنطن، أن نستأنف علاقاتنا على قاعدة «أخطأنا وأخطأتم وعفا الله عما مضى». «بداية جديدة» قائمة على «المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل»، ليس فيها حرب على الإرهاب ولا محاولات لفرض الديموقراطية وغيرها من أنظمة الحكم، يمكن في خلالها لـ«البلدان التي تقطنها غالبية مسلمة» أن تستفيد من البرامج التربوية والتكنولوجية والتجارية والعلمية... الرامية إلى تحفيز التنمية، إضافة إلى المساعدات الاقتصادية التي قررت الولايات المتحدة القيام بها لأن «نعيش معاً بسلام» ووئام.
حسبي الله ونعم الوكيل... أم أن أوباما وحده من له حق الاستشهاد بالتعابير الإسلامية؟