بكرا وبعده، وفي الأيام القليلة المقبلة سنغرق في همنا الانتخابي، بعد ذلك ستستعيدنا همومنا اليومية، وسنتذكر أن الصيف الذي بدأ هو فسحة للاسترخاء والسياحة، القارة الأميركية غنية بالأماكن التي تجدر زيارتها
هل تسألون عن التنوّع البيولوجي؟ الكلام يأتينا من أوروبا، من الشرق أحياناً، ولكن كوستاريكا هي في الحقيقة مملكة هذا التنوّع، حدائقها أو غاباتها تجمع مئات الطيور والحيوانات وأنواعاً تكاد لا تعدّ من النباتات والأشجار والورود.
«مونتفردي» أشبه بلوحة لامتناهية، في هذه الغابة قد تجد نفسك وجهاً لوجه أمام حيوان الفهد، هذا على الأقل ما تتوقعه، يكفي أن تحمل معك إنارة خاصة لا تؤذي الحيوانات، ودع الدليل المكلف يجول بك، يعلمك كيف تتخطى أشجار النباتات البرية الكثيرة الشوك، كيف تبتعد عن حيوان خطر، أو تقترب من آخر لن يؤذيك... إنها مغامرة لا تنسى، الشعور الانفعالي الناتج منها يسكن الزائر أياماً بعد مغادرتها، فمن الصعب أن ينسى المرء التشابك بين الورود المختلفة والنباتات كأنها في صراع للحصول على القليل من أشعة الشمس التي تخترق الأشجار الكثيفة.
الغابات العذراء تحتل ثلث مساحة البلاد، وفي مونتفردي، كما في حدائق أخرى من كوستاريكا، يمكن السائح أن يعيش مغامرة استثنائية، أن ينزل إلى الغابة من هليكوبتر ويتأرجح بين الشجر... كأنه طرزان.
بوليفيا أيضاً جديرة بالاكتشاف، وفي الجزء الجنوبي من البلاد تعيش قبائل من إثنيات مختلفة، عادات بعضها شبيهة بحياة الغجر وتقاليدهم وقوانينهم، يعتاشون من صيد الطيور والسمك وقطف الأعشاب البرية. أما السكان الأصليون فيعيشون في قرى صغيرة ويعملون في الزراعة والصناعات الحرفية وتربية الحيوانات. التعرف إلى هذا الجزء من البلاد يسمح باكتشاف عادات شعوب لا نعرف عنها في منطقتنا إلا القليل. ورغم طابعها القروي، فإن الاحتفالات تعمّها. ورغم الفقر الذي يعاني منه أبناؤها، فإن قانون الفرح يحكم عيشهم.
« El Calafate» هذا هو اسم نبتة تزهر في الربيع وروداً صفراء صغيرة، وهو أيضاً اسم منطقة أرجنتينية تقع جنوب أوشويا. عام 1927 صدر قرار رسمي بإعلان ولادة المدينة التي تشكل مركز منطقة El Calafate، في ذلك الحين لم يتجاوز عدد الرجال من أبناء المنطقة 30 شخصاً، وقد يبدو الأمر غريباً بالنسبة إلى سائح آتٍ من مناطق بعيدة، نحن في قلب منطقة «وحشية» كما يتم وصفها في كتيّبات السياحة، البياض يسيطر هناك، بياض الثلج الذي لا يبرح الجبال القريبة من المدينة، بياض المياه المجاورة لها، وبياض نتخيله مسيطراً لشدة الهواء الذي يعصف بها في معظم أوقات السنة.
في المكسيك، يصعب الكلام على البرد، وعلى سيطرة كبيرة للون الأبيض، المكسيك في مخيلتنا مرادفة للحرارة، للدفء، للرقص، للوجبات الحارة وللتكيلا، ولكن ثمة مشروباً آخر نجهله، إنه الـ mezcal، من يشربه يشعر بأنه يتناول خليطاً من الماء والنار، قد تتذوقه أينما اتجهت في البلاد، ولكن مدينة سانتيغة ماتلان تشتهر به. بل إنها تُسمى «العاصمة العالمية للمزكال».
في هذه المدينة، نادراً ما تسمع الناس يتحدثون الإسبانية ـــــ لغة البلاد ـــــ إنهم يفضلون التكلم بالـ zapotèque لغة أجدادهم أو بالإنكليزية اللغة الجديدة للآلاف من أشقائهم الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة. بيوت المدينة تذكّرك بمشاهد من روايات ماركيز أو غيره من روائيي أميركا اللاتينية، بيوت صغيرة مطرّزة برسوم وردية، وأمامها باحة أو «مصطبة مزنّرة بأشجار جميلة وورود، في بعض الحارات تنسحب هذ البيوت القديمة لترتفع فيلات سقوفها من قرميد وجدرانها بألوان زاهية.
إلى كوبا، قد تأخذك الرحلة، هناك ستشعر أنك تعيش في زمن غير زماننا، ستسمع لغة تحنّ إليها، وستشعر بالألفة، بشيء من التحالف الضمني مع بلدٍ حوصر لأنه قرر ألا ينتمي إلى النظام العالمي.
في هافانا، وغيرها من المدن ستتذكر النكتة الشهيرة عن الكوبيين، فقد قيل إن الرئيس فيديل كاسترو، خاطب الناس بعد الثورة ليحثّهم على المشاركة في بناء الدولة الجديدة حينها، فقال لهم «لا للسامبا، نعم للعمل»، ستتذكر ذلك لأنك كيفما اتجهت في هافانا ستسمع الموسيقى تصدح، ثمة قصة حب أزلية تجمع بين العاصمة الكوبية والموسيقىن. لا تستغرب إن رأيت أناساً يرقصون في الشارع، ولكن إن أراد السائح ألا يشارك في طقس المدينة، فيمكنه أن يتجه إلى أي ملهى، هناك سترتفع الموسيقى وترقص الأجساد على أنغامها رقصة السالسا، منها مثلاً ملهى la Casa de la Musica أو La Bodega del Medio .